فَأَمَّا إِذَا أَنْكَرَ السَّرِقَةَ بَعْدَ دَعْوَاهَا عليه فلا يخلو أن يكون لمدعيها بَيِّنَةٌ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ سَمِعْنَاهَا، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتَانِ: عَامَّةٌ، وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ مَا أَوْجَبَتِ الْقَطْعَ وَالْغُرْمَ، وَالْخَاصَّةُ مَا أَوْجَبَتِ الْغُرْمَ وَلَمْ تُوجِبِ الْقَطْعَ.
فَأَمَّا الْعَامَّةُ الْجَامِعَةُ للأمرين فهي شاهدان عدلان، وكمال شهادتهما معتبر بخمسة شروط:
أحدهما: ذِكْرُ السَّارِقِ.
وَالثَّانِي: ذِكْرُ // الْمَسْرُوقِ مِنْهُ.
وَالثَّالِثُ: ذِكْرُ الْحِرْزِ.
وَالرَّابِعُ: ذِكْرُ الْمَالِ.
وَالْخَامِسُ: صِفَةُ السرقة.
لأن الْحُكْمَ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا فِي الشَّهَادَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يخل حَالُ الْأَعْيَانِ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا حَاضِرًا وَبَعْضُهَا غَائِبًا.
فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يُعَيِّنَا الشَّهَادَةَ بِالْإِشَارَةِ فَيَقُولَانِ: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ سَرَقَ مِنْ مَالِ هَذَا الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ مِنْ هَذَا الْحِرْزِ بِعَيْنِهِ هَذَا الْمَالَ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ يَصِفَانِ السَّرِقَةَ؛ لِأَنَّهَا فِعْلٌ ماض لا تمكن الإشارة إليه فيه فيقولان؛ نقب الحرز ودخله، وأخرج من هَذِهِ السَّرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ غَائِبًا، فَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَصِفَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّعْيِينِ بِالْإِشَارَةِ فَيَقُولَانِ: نَشْهَدُ أَنَّ فلان ابن فلان الفلاني سرق من مال فلان ابن فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ مِنْ حِرْزٍ يَصِفَانِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَاهُ لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي الْحِرْزِ الَّذِي يقطع منه، وَيَصِفَا الْمَالَ بِمَا تَزُولُ عَنْهُ الْجَهَالَةُ، فَإِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ لَمْ يَحْتَاجَا فِيهِ إِلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ فِي الشَّهَادَةِ لَكِنْ يَعْتَبِرُهَا الْحَاكِمُ في القطع، فإن لَمْ يَكُنْ ذَا مِثْلٍ ذَكَرَا قِيمَتَهُ، فَإِنْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لَمْ تُسْمَعْ لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ، ثُمَّ يَصِفَانِ السَّرِقَةَ لِمَا فِيهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَا الشَّهَادَةَ عَلَى ما بيناه حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْغُرْمِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ حَاضِرًا وَبَعْضُهُ غَائِبًا اعْتُبِرَ فِي الْحَاضِرِ الْإِشَارَةُ وَفِي الْغَائِبِ الصِّفَةُ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي صِفَةِ الْمَسْرُوقِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا مَرْوِيًّا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا هَرَوِيًّا لَمْ تَكْمُلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الصِّفَةِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجِنْسِ.