مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَقَطْعِ السَّرِقَةِ وَجَلْدِ الْخَمْرِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: إِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا كَانَ مَشْهُورًا بِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهُ على نفسه ولا يقر به فإن تَكَرَّرَ مِنْهُ وَكَانَ مَشْهُورًا بِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ وَلَا يَكْتُمَهُ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْفَرْقِ وَجْهٌ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ تاب منه فأستحب لَهُ أَنْ يَكْتُمَهُ وَلَا يُقِرَّ بِهِ؛ لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ) .
وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ تَكْفِيرًا وَتَطْهِيرًا.
رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عن الزهرية عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في مجلس فقال: " تبايعون عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا) وَقَرَأَ عَلَيْنَا الْآيَةَ وَقَالَ: " فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنِ اخْتَانَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ فِي الْحُدُودِ حَدِيثًا أَبْيَنَ مِنْ هَذَا.
وَرَوَى خُزَيْمَةُ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ) .
فَأَمَّا إِذَا حَضَرَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِيُقِرَّ بِهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ الْإِمَامُ بِالْإِنْكَارِ إِذَا رَأَى مِنْهُ آثَارَ النَّدَمِ وَأَمَارَاتِ الِاسْتِرْسَالِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِمَاعِزٍ حِينَ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَا: " لَعَلَّكَ قبلت، لعلك لمست) .
واتى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِسَارِقٍ مُعْتَرِفٍ فَقَالَ لَهُ: " مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ) فَقَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا وَهُوَ يَعْتَرِفُ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ " اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وتب) فَقَالَ: أَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ وَاغْفِرْ لَهُ) فَهَذَا حُكْمُ السَّارِقِ فِي إِقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ.