وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالِغَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيْضَةِ الحرب وحبل المتاع.
والثالث: أن يبقى مِنْ نِصَابِ الْقَطْعِ ثَمَنَ الْبَيْضَةِ وَالْحَبْلِ فَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ مَدْفُوعًا بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كَانَتِ الْيَدُ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ مُقَدَّرٌ بِرُبُعِ دِينَارٍ، فَإِنْ سَرَقَهُ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ قُطِعَ فِيهِ، وَإِنْ سَرَقَهُ مُتَفَرِّقًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحْرَازٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِثْلَ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ حِرْزٍ ثُمُنَ دِينَارٍ، وَمِنْ حِرْزٍ آخَرَ ثُمُنَ دِينَارٍ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِانْفِرَادِ كُلِّ حِرْزٍ بِحُكْمِهِ، وَلَمْ يَسْرِقْ مِنْ أَحَدِهِمَا رُبُعَ دِينَارٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يَهْتِكَ الْحِرْزَ ويأخذ منه ثمن دينار ثم يعدوا إليه فيأخذ ثَمَنَ دِينَارٍ تَمَامَ النِّصَابِ الْمُقَدَّرِ فِي الْقَطْعِ، فَفِي وُجُوبِ قَطْعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: يُقْطَعُ، سَوَاءٌ عَادَ إِلَيْهِ لِوَقْتِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَكْمَلَ سَرِقَةَ نِصَابٍ مِنْ حِرْزٍ فَصَارَ كَسَرِقَتِهِ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، سَوَاءٌ عَادَ لِوَقْتِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ فِي الْعَوْدِ مِنْ حِرْزٍ مَهْتُوكٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ إِنْ عَادَ لِوَقْتِهِ فَاسْتَكْمَلَ النِّصَابَ قَبْلَ إشهار هَتْكِهِ قُطِعَ، وَإِنْ عَادَ مِنْ غَدِهِ بَعْدَ اشْتِهَارِ هَتْكِهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِاسْتِقْرَارِ هَتْكِ الْحِرْزِ بالإشتهار، وهذا أصح والله أعلم.
قال الشافعي: " وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صِرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ قَالَ مَالِكٌ هِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي تُؤْكَلُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وفي ذلك دلالة على قطع من سرق الرطب من طعام وغيره إذا بلغت سرقته ربع دينار وأخرجها من حرزها) .