قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا حَكَمَ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْحُكَّامِ بِرَجْمِ زَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا شُهُودُ الزِّنَا حُضُورَ الرَّجْمِ، سَوَاءٌ رجم بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.
وقال أبو حنيفة: إن رجم بإقرار لزم حضور الإمام أو الحاكم بالرجم، وَإِنْ رَجَمَ بِالْبَيِّنَةِ لَزِمَ حُضُورُ الشُّهُودِ دُونَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَخَصُّ بِهِ فِي الْإِقْرَارِ وَالشُّهُودُ أَخَصُّ بِهِ فِي الشَّهَادَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَرْجِعَ الشُّهُودُ إِنْ شَهِدُوا بِزُورٍ.
وَدَلِيلُنَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَقَالَ: " يَا أُنَيْسُ اغْدُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) ولأنها إِقَامَةُ حَدٍّ فَلَمْ يَلْزَمْ حُضُورُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كالقذف، ولأنها إِفَاتَةُ نَفْسٍ فَلَمْ يَلْزَمْ فِيهِ حُضُورُهُمَا، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَلْزَمْ حُضُورُهُ فِي حَدِّ الْبِكْرِ لَمْ يَلْزَمْ حُضُورُهُ فِي حَدِّ الثَّيِّبِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الزَّانِيَيْنِ.
فَإِنْ حَضَرَ الْإِمَامُ وَالشُّهُودُ الرَّجْمَ لَمْ يَجِبْ الِابْتِدَاءُ بِالرَّجْمِ عَلَى أَحَدٍ، وَبَدَأَ بِهِ مَنْ شَاءَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ رُجِمَ بِإِقْرَارِهِ بَدَأَ بِرَجْمِهِ الْإِمَامُ، ثُمَّ الشهود، ثُمَّ النَّاسُ، وَإِنْ رُجِمَ بِالْبَيِّنَةِ بَدَأَ بِرَجْمِهِ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ؛ احْتِجَاجًا بِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَدَلِيلُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَضَرَ رَجْمَ الْغَامِدِيَّةِ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَنَّهُ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَوْ فَعَلَ لَنُقِلَ، ولأنه حد فلم يتعين فيه المبتدئ كَسَائِرِ الْحُدُودِ.
(فَصْلٌ)
[الْقَوْلُ فِي صِفَةِ الرَّجْمِ]
فَأَمَّا صِفَةُ الرَّجْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْتَرَ فِيهِ عَوْرَةُ الْمَرْجُومِ إِنْ كَانَ رَجُلًا، وَيُسْتَرُ جَمِيعُ بَدَنِهَا إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً، وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ قَبْلَ رَجْمِهِ لِتَكُونَ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ، وَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُمِرَ بِهَا، وَإِنْ تَطَوُّعَ بِصَلَاةٍ مُكِّنَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنِ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ، وَإِنِ اسْتَطْعَمَ طَعَامًا لَمْ يُطْعَمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَاءَ لِعَطَشٍ مُتَقَدِّمٍ وَالْأَكْلَ لِشِبَعٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُقَيَّدُ، وَيُخَلَّى وَالِاتِّقَاءُ بِيَدِهِ، وَاخْتَارَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ حُفَيْرَةً يَنْزِلُ فِيهَا إِلَى وَسَطِهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُخْتَارٍ فِي رَجْمِ الرَّجُلِ، سَوَاءً رُجِمَ بِشَهَادَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، وَيَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِتَأْخُذَهُ الْأَحْجَارُ من جوانبه، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي مَاعِزٍ