وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْعَبْدِ فَهُوَ أَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِمَنْ لَيْسَ بِعَفِيفٍ يُرْجَمُ إِنْ زنا، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْعَبْدِ أنه إن لم يكمل جلده فَلَمْ يَجِبْ رَجْمُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُحْصَنُ لَمْ يَرْتَفِعْ إِحْصَانُهُ فِي الرِّدَّةِ ولا إذا أسلم، وكان حده الرجم إن زنا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَدِ ارْتَفَعَ إِحْصَانُهُ بِرِدَّتِهِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى الْإِحْصَانِ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَطَأَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَجَعَلَ اسْتِدَامَةَ الْإِسْلَامِ شَرْطًا فِي بَقَاءِ الْحَصَانَةِ كَمَا جَعَلَهُ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْحَصَانَةِ؛ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ) وَلِأَنَّهُ أَسْلَمَ بعد كفر فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَأْنَفَ شَرَائِطُ الْحَصَانَةِ فِيهِ كَالْكَافِرِ الأصلي، ولأنه مبني له على أصله في اشتراك بالأسلام فِي إِحْصَانِهِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ) وَهَذَا زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ القتل.
وكان تحرير الِاسْتِدْلَالَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ قِيَاسًا فَنَقُولُ: لِأَنَّهُ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ الرَّجْمَ كَالَّذِي لَمْ يَرْتَدَّ، وَلِأَنَّهُ إِحْصَانٌ ثَبَتَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الرِّدَّةِ قِيَاسًا عَلَى حَصَانَةِ الْقَذْفِ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالْخَبَرِ فَلَا يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمُسْلِمِ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْرِكٍ فَسَقَطَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَغَيْرُ مسلم في أصله؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَكُونُ عِنْدَنَا مُحْصَنًا قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ فِي بِنَائِهِ عَلَى أَصْلِهِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ فَجَمِيعُهَا شُرُوطٌ فِي الْحَصَانَةِ، وَبِكَمَالِ الْحَصَانَةِ يجب الرجم، هذا مذهب الشافعي وقول جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ.
وَذَهَبَ شَاذٌّ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى أن شرط الحصانة واحد فيها وَهُوَ الْإِصَابَةُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْحُرِّيَّةُ، شُرُوطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ دون الحصانة، وهذا اختلاف مؤثر في الصحيح وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ إِذَا أَصَابُوا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ثم زنا الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَالْمَجْنُونُ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ، وَالْعَبْدُ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ شُرُوطِ الْحَصَانَةِ أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْجَلْدَ دُونَ الرَّجْمِ حَتَّى يَسْتَأْنِفُوا والإصابة فِي النِّكَاحِ بَعْدَ كَمَالِهِمْ، وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ شُرُوطِ الرَّجْمِ أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الرَّجْمَ بِالْإِصَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قبل