نر إقامته إلا على الْأَدْنِيَاءِ وَنَدَعُ الْأَشْرَافَ، فَجَعَلْنَاهُ الْجَلْدَ وَالتَّحْمِيمَ وَالتَّجْبِيَةَ يُرِيدُ بِالتَّحْمِيمِ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْحُمَمَةِ وَهِيَ الْفَحْمَةُ، وَيُرِيدُ بِالتَّجْبِيَةِ أَنْ يَرْكَبَا عَلَى حِمَارٍ أَوْ جَمَلٍ وَظَهْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى ظَهْرِ صَاحِبِهِ فَرَجَمَهُمَا حِينَئِذٍ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ: " أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً أَمَاتُوهَا) .
قِيلَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِتَوْرَاتِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ شَرِيعَتِهِ الرَّجْمُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ كَانَ حُكْمُهُ بِشَرِيعَتِهِ لَا بِالتَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا أَحْضَرَهَا لِإِكْذَابِهِمْ عَلَى إِنْكَارِهِمْ وُجُودَ الرَّجْمِ فِيهَا.
وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَلْدِ الْكَامِلِ إِذَا كَانَ بِكْرًا كَانَ وَطْؤُهُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا كَالْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ مَلَكَ رَجْعَتَيْنِ فِي نِكَاحٍ كَانَ مُحْصَنًا كَالْمُسْلِمِ، وَفِيهِمَا احْتِرَازٌ مِنَ الْعَبْدِ وَمِنْ غير الواطئ فِي نِكَاحٍ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ أَيْ: لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ مِنْ قَبِيحٍ.
والثاني: أنه محمول على إحصان القذف.
فأما الجواب عن حديث كعب بن مالك، فراويه ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبٍ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ، وَابْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يَلْقَ كَعْبًا فَكَانَ مُنْقَطِعًا.
وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " فَإِنَهَا لَا تُحْصِنُكَ) مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّرْغِيبَ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمَاتِ وَالتَّزْهِيدِ فِي نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ تَحْصِينَ الزِّنَا فِي أَصْحَابِهِ لِيُرْجَمُوا وَقَدْ صَانَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِاخْتِيَارِهِمْ لِنُصْرَةِ دِينِهِ والجهاد عليه مَعَ رَسُولِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهَا لَا تعفك عن نكاح غيرها إما لقبحها أو سوء معتقدها.
وأما الجواب عن قياسهم على حَصَانَةِ الْقَذْفِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قِيَاسٌ يَدْفَعُ النَّصَّ فَكَانَ مُطَّرَحًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى في حصانة القذف اعتبار الصفة فيها فكان أولى أن يعتبر فيها الإسلام، [لما لم يعتبر الْعِفَّةُ فِي حَصَانَةِ الزِّنَا كَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِيهَا الْإِسْلَامُ] .