فَإِنْ حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ: صَحَّ الْحَجْرُ، وَفِي مَعْنَى حَجْرِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ كَحَجْرِ السَّفَهِ وَفِي مَعْنَاهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ عِلَّةَ حَجْرِهِ سَفَهُ رَأْيِهِ، وَضِعْفُ تَمْيِيزِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَحَجْرِ الْمَرَضِ وَفِي مَعْنَاهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ عِلَّةَ حَجْرِهِ تُوَجِّهُ التُّهْمَةَ إِلَيْهِ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِ.
وَيَكُونُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَمْنُوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي تَصَرُّفِهِ اسْتِهْلَاكٌ لِمَا لَهُ كَالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا وَالصَّدَقَاتِ وَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ حَجْرِهِ حَجْرُ سَفَهٍ أَوْ حَجْرُ مَرَضٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَازَتْ وَصَايَاهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ حَجْرَهُ حَجْرُ مَرَضٍ، كَمَا تَجُوزُ وَصَايَا الْمَرِيضِ.
قِيلَ: لِأَنَّ لِلْمَرِيضِ فِي مَالِهِ الثُّلُثَ، فَأُمْضِيَتْ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَدِّ ثُلُثٌ تُجْعَلُ وَصَايَاهُ مِنْهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ تَصَرُّفِهِ: مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِهْلَاكٌ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ بِأَعْوَاضٍ مِثْلِهَا، فَيَكُونُ فِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَعْنَى حَجْرِهِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ جَمِيعَهَا جائزة إِذَا قِيلَ: إِنَّ حَجْرَهُ حَجْرُ سَفَهٍ لِأَنَّ عُقُودَ السَّفِيهِ بَاطِلَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَهَا جَائِزَةٌ إِذَا قِيلَ: إِنَّ حَجْرَهُ حَجْرُ مَرَضٍ، لِأَنَّ عُقُودَ الْمَرِيضِ جَائِزَةٌ.
وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، يَكُونُ حُكْمُ إِقْرَارِهِ بِالدُّيُونِ وَالْحُقُوقِ. أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ بُطْلَانُ إِقْرَارِهِ بِجَمِيعِهَا إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ حَجْرُ سَفَهٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: صِحَّةُ إِقْرَارِهِ بِجَمِيعِهَا إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ حَجْرُ مَرَضٍ.
فَإِنْ لَمْ يَحْجُرِ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَفِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَجَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: إنَّ تَصَرُّفَهُ جَائِزٌ مَمْضِيٌّ سواء قتل بالردة أو عاد إلى الإسلام، لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ تَصَرُّفَهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ سَوَاءٌ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ أَوْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْعِلَّتَيْنِ فِي سَفَهِ رَأْيِهِ وَظُهُورِ تهمته.