الحاوي الكبير (صفحة 6151)

الْإِسْلَامِ عَادَ الْمَالُ إِلَى مِلْكِهِ كَالْخَلِّ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَمْرًا زَالَ عَنْ مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا عَادَ إِلَى مِلْكِهِ.

وَخَرَّجَ قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ فِي مَالِهِ ثَلَاثَةَ أَقَاوِيلَ -:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَالَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَمُوتَ - وَهُوَ الْأَصَحُّ - وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَالثَّانِي: إنَّ مَالَهُ قَدْ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ قُتِلَ أَوْ لَمْ يُقْتَلْ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ بِإِسْلَامِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَمَالُهُ لَمْ يَزَلْ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عُلِمَ أَنَّ مَالَهُ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ.

وَعَلَى هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ يَكُونُ حُكْمُ مَا اسْتَفَادَ مِلْكُهُ فِي رِدَّتِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوِ اصْطِيَادٍ أَوِ احْتِشَاشٍ.

فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ: إِنَّ مِلْكَهُ الْمُتَقَدِّمَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، مَلَكَ مَا اسْتَفَادَهُ فِي رِدَّتِهِ، وَصَارَ مُضَافًا إِلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ.

وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي: إنَّ مَالَهُ خَرَجَ بِالرِّدَّةِ عَنْ مِلْكِهِ، لَمْ يَمْلِكْ مَا اسْتَفَادَهُ فِي رِدَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَلِكُهُ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ.

وَإِنْ قِيلَ بِالثَّالِثِ: إِنَّهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى، كَانَ مَا اسْتَفَادَهُ فِي الرِّدَّةِ مَوْقُوفًا مُرَاعًى:

فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ مَعَ قَدِيمِ مِلْكِهِ.

وَإِنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَمْلِكْهُ.

فَإِنْ كَانَ عَنْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ: بَطُلَتْ، وَعَادَ إِلَى الْوَاهِبِ وَالْمُوصِي.

وَإِنْ كَانَ اصْطِيَادًا أَوِ احْتِشَاشًا: كَانَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ.

فَظُهُورُ الرِّدَّةِ مِنْهُ مُوجِبَةٌ لِوُقُوعِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِعِلَّتَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ تَظَاهُرَهُ بِهَا مَعَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ مِنْ إِبَاحَةِ دَمِهِ دَلِيلٌ عَلَى سَفَهِ رَأْيِهِ وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ انْتِقَالَ مَالِهِ عَنْهُ إِلَى مَنْ بَايَنَهُ فِي الدَّيْنِ يُوجِبُ حِفْظُهُ عَلَيْهِ، لِتُوَجَّهَ التُّهْمَةُ إِلَيْهِ، حَتَّى لَا يُسْرِعَ إِلَى اسْتِهْلَاكِهِ عَلَيْهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015