كان لا يعقل كانت أولى به على أن ذلك حق للولد للأبوين لأن الأم أحنى عليه وأرق من الأب ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمِّ يُسْقِطُ حَقَّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ وَالْكَفَالَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُنْكَحِي "، فَلَمْ يَكُنْ لِخِلَافِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيهِ مَعَ هَذَا النص وجه، وإذا سقط حضانتها انتقلت عنها إلى أمها إذ لَمْ تَكُنْ أُمُّهَا ذَاتَ زَوْجٍ، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ نُظِرَ فِي الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ جَدَّ الْوَلَدِ لَمْ يُسْقِطْ حَضَانَتَهَا وَإِنْ كَانَ أَجْنَبَيًّا أَسْقَطَهَا، وَصَارَتْ لِلْأَبِ، فَإِنْ أَتَمَّتِ الْأُمُّ بَعْدَ التَّزْوِيجِ بِمَوْتِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقٍ عَادَتْ إِلَى حَقِّهَا مِنْ حَضَانَةِ وَلَدِهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ بَطَلَ حَقُّهَا بِالتَّزْوِيجِ، فَلَا يَعُودُ إِلَيْهَا وَإِنْ أَيْمَنَ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُقُوطَ حَضَانَتِهَا بِالزَّوْجِ كَسُقُوطِهَا بِجُنُونٍ أَوْ فَسْقٍ، وَهِيَ تَعُودُ إِلَى حَقِّهَا بِالْإِفَاقَةِ مِنَ الْجُنُونِ، وَالْعَدَالَةِ بَعْدَ الْفِسْقِ، فَكَذَلِكَ تَعُودُ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ النِّكَاحِ، لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ يُوجِبُ إِسْقَاطَهَا بِزَوَالِ تِلْكَ الْعِلَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَضَانَتَهَا بِالتَّزْوِيجِ تَأَخَّرَتْ، وَلَمْ يَبْطُلْ لِانْتِقَالِهَا إِلَى أُمِّهَا المدلية بها، ولو بطلت حضانتها فانتقلت إِلَى مَنْ أَدْلَى بِهَا، وَهَذَا دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ.
فَإِنْ ثَبَتَ عَوْدُهَا إِلَى الْحَضَانَةِ بَعْدَ طَلَاقِهَا فَسَوَاءٌ كَانَ طَلَاقُهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا لَمْ تَعُدِ الْحَضَانَةُ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَوَافَقَهُ الْمُزَنِيُّ عَلَيْهِ وَبَنَى أَبُو حَنِيفَةَ: ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ تجري عليها أحكام الزوجية، ونحن نبينه عَلَى أُصُولِنَا فِي أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُحَرَّمَةٌ كَالْبَائِنِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ صَارَتْ بِهِ كَالْخَلِيَّةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ كَمَا صَارَتْ كَالْخَلِيَّةِ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ فِي عِدَّتِهَا سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا بِرَجْعَتِهِ، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى لَمْ تَسْتَحِقَّ الْحَضَانَةَ لِبَقَائِهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ وَلِيَ نَفْسَهُ إِذَا أُونِسَ رُشْدُهُ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أحدهما وأختار له برهما وترك فراقهما وإذ بلغت الجارية كانت مع أحدهما حتى تزوج فتكون مع زوجها فإن أبت وكانت مأمونة سكنت حيث شاءت ما لم تر ريبة وأختار لها أن لا تفارق أبويها ".