ثِقَاتِ النِّسَاءِ أَوْ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْمَحَارِمِ مَنْ تَنْتَفِي بِهِ التُّهْمَةُ عَنْهُمَا، فَإِذَا بَرَأَتِ انْصَرَفَتِ الْأُمُّ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَإِنْ مَاتَتْ أَقَامَتِ الْأُمُّ لمواراتها حتى تدفن، وليس الأب أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْبُكَاءِ عَلَيْهَا، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ النِّيَاحَةِ وَاللَّطْمِ، وَيَمْنَعَهَا مِنَ اتِّبَاعِ جِنَازَتِهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّهِ، وَيَمْنَعَهَا مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهَا إِنْ دُفِنَتْ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ دُفِنَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مَنَعَهَا مِنَ الزيادة فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ حَقِّهِ لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لعن الله زورات القبور ".
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَخْبُولًا فَهُوَ كَالصَّغِيرِ فَالْأُمُّ أحق بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ أَبَدًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا قَدْ مَضَى فِي شُرُوطِ التَّخْيِيرِ، لِأَنَّ الْمَخْبُولَ لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ بِنَفْسِهِ، وَفَقْدِ تَمْيِيزِهِ يَكُونُ كَالصَّغِيرِ، فَصَارَتِ الْأُمُّ بِهِ أَحَقَّ، كَالْمَحْضُونِ سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا، هَكَذَا لَوْ طَالَ الْخَبَلُ وَالْجُنُونُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْبُلُوغِ كَانَتِ الْأُمُّ أَحَقَّ بِكَفَالَتِهِمَا مِنَ الْأَبِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَخْبُولِ وَالْمَجْنُونِ زَوْجَةٌ أَوْ كَانَ لِلْمَخْبُولَةِ وَالْمَجْنُونَةِ، زوجا، كَانَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ أَحَقَّ بِكَفَالَتِهِمَا مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، لِأَنَّهُ لَا عَوْرَةَ بَيْنَهُمَا وَلِوُفُورِ السُّكُونِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ لِلْمَخْبُولِ أم ولد كان الْأُمُّ أَحَقَّ بِكَفَالَتِهِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرِّقِّ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِعْلَاءِ يَدِهَا، لَكِنْ تَقُومُ بِخِدْمَتِهِ، وَتَقُومُ الْأُمُّ بِكَفَالَتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا خُيِّرَ فَاخْتَارَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ حُوِّلَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِأَنَّ تَخْيِيرَ الْوَلَدِ حَقٌّ لَهُ لَا عَلَيْهِ يَقِفُ عَلَى شَهْوَتِهِ وَالْمَيْلِ إِلَى مَصْلَحَتِهِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ عَدَلَ إِلَى اخْتِيَارِ الْآخَرِ حُوِّلَ إِلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى اخْتِيَارِ الْأَوَّلِ أُعِيدَ إِلَيْهِ على هذا أبداً، كلما اختار واحد بَعْدَ وَاحِدٍ حُوِّلَ إِلَيْهِ لِوُقُوفِهِ عَلَى شَهْوَتِهِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ مِنْ تَقْصِيرِ مَنِ اخْتَارَهُ مَا يَبْعَثُهُ عَنِ الِانْتِقَالِ عَنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ مُنِعَتْ مِنْهُ بِالزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فيه الرجعة أولا لَا يَمْلِكُهَا رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي وَلَدِهَا لَأَنَّهَا مَنَعَتْهُ بِوَجْهٍ فَإِذَا ذَهَبَ فَهِيَ كَمَا كانت فإن قيل فكيف تعود إلى ما بطل بالنكاح، قيل لو كان بطل ما كان لأمها أن تكون أحق بولدها من أبيهم وكان ينبغي إذا بطل عن الأم أن يبطل عن الجدة التي إنما حقها لحق الأم وقد قضى أبو بكر على عمر رضي الله عنهما بأن جدة ابنه أحق به منه فإن قيل فما حق الأم فيهم؟ قيل كحق الأب هما والدان يجدان بالولد فلما