وَالْفَصْلُ الثَّانِي: صِفَةُ مَا تَضْمَنُهُ الْمُرْضِعَةُ لِلزَّوْجِ، وَهُوَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى سَوَاءٌ زَادَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُرْجَعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمُسَمَّى، لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي غَرِمَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَّا بِمِثْلِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الزَّوْجَ ضَمِنَ الْمَهْرَ بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا الْمُسَمَّى فِيهِ، وَالْمُرْضِعَةُ اسْتَهْلَكَتِ الْبُضْعَ بِالتَّحْرِيمِ فَلَزِمَهَا قِيمَةُ مَا اسْتَهْلَكَتْ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَنِ اسْتَهْلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يُغَرَّمْ إِلَّا الْقِيمَةَ، وَإِنْ غُرِّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الْمُسَمَّى بِزِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَقَدْ أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ غَرِمَ لَهَا أَلْفًا وَرَجَعَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مُحَابَاةٌ كَالْعَطَايَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ لَهُ كَبِيرَةٌ لَمْ يُصِبْهَا حَرُمَتِ الْأَمُّ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ لَهَا وَلَا مُتْعَةَ لِأَنَّهَا الْمُفْسِدَةُ وَفَسَدَ نِكَاحُ الْمُرْضَعَةِ بِلَا طَلَاقٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَأُمُّهَا فِي مِلْكِهِ فِي حَالٍ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيُرْجَعُ عَلَى الَّتِي أَرْضَعَتْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَتَانِ صُغْرَى وَكُبْرَى أَرْضَعَتِ الْكُبْرَى الصُّغْرَى خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَالْكَلَامُ فِيهَا يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: فَسْخُ النِّكَاحِ.
وَالثَّانِي: ثُبُوتُ التَّحْرِيمِ.
وَالثَّالِثُ: الْمَهْرُ.
فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ بُطْلَانُ النِّكَاحِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ إِنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفَسِخُ بِرِضَاعِ الضَّرَائِرِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: مَا حَكَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى بَطَلَ نِكَاحُهَا وَثَبَتَ نِكَاحُ الصُّغْرَى.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى ثَبَتَ نِكَاحُهَا وَبَطَلَ نِكَاحُ الصُّغْرَى.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إِنَّهُ بَطَلَ بِالرَّضَاعِ نِكَاحُهُمَا مَعًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِالْكُبْرَى أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، لِأَنَّهُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي: وَهُوَ التَّحْرِيمُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكُبْرَى عَلَى التَّأْبِيدِ، لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ، وَأَمَّا الصُّغْرَى فَتَحْرِيمُهَا مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْكُبْرَى فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتِ