وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي الرَّضَاعِ وَالشَّهَادَةِ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ لِمَا فِيهِمَا مِنِ اسْتِهْلَاكِ الْبُضْعِ عَلَيْهِ بِالْإِحَالَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَوَجَبَ ضَمَانُ قِيمَتِهِ، وَهُوَ جَمِيعُ الْمَهْرِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَيُرْجَعُ فِي الرَّضَاعِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، وَيُرْجَعُ فِي الشَّهَادَةِ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي الرَّضَاعِ وَقَعَتْ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ حَقِيقَةً وَالزَّوْجُ بِهَا مُعْتَرِفٌ، وَقَدْ رَجَعَ إِلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَلَمْ يُرْجَعْ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إِلَّا بِالنِّصْفِ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَخَالَفَ الشَّهَادَةَ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهَا فِي الظَّاهِرِ وَاعْتِرَافِ الشُّهُودِ بِإِحْلَالِهَا لَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنَ الْمَهْرِ شَيْئًا فَلِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِقِيمَةِ مَا فَوَّتُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الْبُضْعِ وَهُوَ جَمِيعُ الْمَهْرِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي الرَّضَاعِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، فَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَعَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ يُرْجَعُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ، إِذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ سَاقَ إِلَيْهَا جَمِيعَهُ، لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الطَّلَاقِ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ فَصَارَ مُلْتَزِمًا بِجَمِيعِهِ، فَلِذَلِكَ رَجَعَ بِجَمِيعِهِ عَلَى الشُّهُودِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُرْجَعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ دُفِعَ إِلَيْهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا دَفْعُ نِصْفِهُ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ بِادِّعَاءِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَسْتَحِقُّ إِلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ فَصَارَ الَّذِي لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ فَلَا يُرْجَعُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ صِفَةُ الضَّمَانِ فَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: صِفَةُ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ الْمُرْتَضَعَةِ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَا زَادَ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ الزَّوْجُ دُونَ الْأَبِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَكُونَ الْمُسَمَّى إِذَا نَقَصَ منه باطلاً، يجب لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ الْأَبُ، فَفِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يُبَرِّئَ مِنْ جَمِيعِ الْمَهْرِ، فَأَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَتَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُبَرِّئَ مِنْ جَمِيعِ مَهْرِهَا، لِأَنَّهُ يُبَرِّئُ مِنْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِيَسْتَفِيدَ مِثْلُهُ فِي النِّكَاحِ الْمُسْتَقْبَلِ وَخَالَفَ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ لَهَا حَقًّا لَا يَسْتَفِيدُ مثله.