وَجَوَابٌ ثَانٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ أَنَّهَا حَالٌ لَوْ وَطِئَتْ فِيهَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَيَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ، وَالْوَطْءُ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوِلَادَةِ فَهُوَ أَنَّ لُحُوقَ النَّسَبِ بِالْعُلُوقِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ حُكْمُهُ وَتَتَحَقَّقُ حَالُهُ بِالْوِلَادَةِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ثُبُوتِهِ بِعُلُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرِثُ وَيُوَرَّثُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ وَيُضْمَنُ دِيَتُهُ جَنِينًا.
وَالْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ سُقُوطَ فِعْلِهَا لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ كَالنَّائِمَةِ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ فِعْلٌ، وَيُضَافُ إِلَى النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ فَافْتَرَقَا وَقَوْلُهُمْ إِنَّ لَبَنَهَا لَمْ يَمُتْ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ تُحِلَّهُ حَيَاةٌ تَبَعٌ لِمَا فِيهِ حَيَاةٌ فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهَا وَزَالَ عَنْهُ الْحُكْمُ لِعَدَمِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ حُلِبَ مِنِ امْرَأَةٍ لَبَنٌ كَثِيرٌ فَفُرِّقَ ثُمَّ أُوجِرَ مِنْهُ صَبِيٌّ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يَكُنْ إِلَّا رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَاللَّبَنِ يَحْدُثُ فِي الثَّدْيِ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ حَدَثَ غَيْرُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ إِذَا حُلِبَ لَبَنُهَا وَشَرِبَهُ الْوَلَدُ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُحْلَبَ لَبَنُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَيَشْرَبَهُ الْمَوْلُودُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذِهِ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ قَلَّ اللَّبَنَ أَوْ كَثُرَ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُحْلَبَ لَبَنُهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي خَمْسِ أَوَانِي وَيَشْرَبَهُ فِي خَمْسِ مَرَّاتٍ فَهَذِهِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ لِوُجُودِ الْعَدَدِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُحْلَبَ لَبَنُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَيَشْرَبَهُ الْمَوْلُودُ فِي خَمْسِ مَرَّاتٍ فَالَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَجَامِعِهِ وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ أَنَّهَا رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ اعْتِبَارًا بِفِعْلِ الْمُرْضِعَةِ قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إِنَّهَا خَمْسُ رَضَعَاتٍ اعْتِبَارًا بِشُرْبِ الْمُرْتَضَعِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَخْرِيجِ الرَّبِيعِ، هَلْ هُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ أَوْ هُوَ وَجْهٌ قَالَهُ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ، فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجْعَلَانِهِ وَجْهًا، قَالَهُ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ، وَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجَمِيعُ الْبَصْرِيِّينَ يُخَرِّجُونَهُ قَوْلًا ثَانِيًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الْمَشْهُورِ إِنَّهُ يَكُونُ رَضْعَةً وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِفِعْلِ المرضعة فوجه قول الله تعالى {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء: 23] فَأَضَافَ فِعْلَ الرَّضَاعِ إِلَيْهِنَّ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُنَّ فِيهِ أَغْلَبَ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِسَهْلَةَ فِي سَالِمٍ " أَرَضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ عَلَيْكِ " فَاعْتَبَرَ فِعْلَهَا، وَإِذَا قِيلَ