فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا مُنِعَتْ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِالشَّكِّ فَهَلَّا أَوْجَبَتْ بِالشَّكِّ وَقْفَ مِيرَاثِهَا، حَتَّى يَزُولَ الشَّكُّ كَمَنْ طَلَّقَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَلَمْ يُبِنْ حَتَّى مَاتَ وَقَفَ عَلَيْهِمَا مَعَ الشَّكِّ بِمِيرَاثِ زَوْجَتِهِ حَتَّى يَزُولَ الشَّكُّ، فَهَلَّا كَانَ مِيرَاثُ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفًا كَذَلِكَ.
قِيلَ: لِأَنَّ مِيرَاثَ أُمِّ الْوَلَدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِهِ وَإِسْقَاطِهِ فَلَمْ يَجُزْ وَقْفُهُ مَعَ الشَّكِّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَمِيرَاثُ إِحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ مُسْتَحَقٌّ قَطْعًا، وَإِنْ أَشْكَلَ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا فَجَازَ أَنْ يُوقَفَ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ عَلَى بَيَانِ مُسْتَحِقِّهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا الْفَرْقُ يَفْسُدُ بِمَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ، مُسْلِمَةٌ وَذِمِّيَّةٌ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا، وَلَمْ يَبِنْ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يُوقَفُ مِنْ مَالِهِ مِيرَاثُ زَوْجَتِهِ، وَإِنَّ شَكَّ فِي استحقاقه، كأنه متردد بين أن يكون الْمُطَلَّقَةُ هِيَ الذِّمِّيَّةَ فَتَسْتَحِقَّ الْمُسْلِمَةُ الْمِيرَاثَ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمُسْلِمَةُ هِيَ الْمُطَلَّقَةَ فَلَا تَسْتَحِقُّ الذِّمِّيَّةُ الْمِيرَاثَ وَلَمْ يَمْنَعْ هَذَا الشَّكُّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا فَهَلَّا كَانَ مِيرَاثُ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفًا.
قِيلَ: فَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمَةِ أَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِلْمِيرَاثِ، فَلَمْ تُسْقِطْ مِيرَاثَهَا بِالشَّكِّ، وَالْأَصْلُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَنَّهَا غَيْرُ وَارِثَةٍ فَلَمْ يُوقَفْ لَهَا مِيرَاثٌ بِالشَّكِّ، فَصَحَّ بِهَذَا الْفَرْقِ مَا تقد من الفرق.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْأَمَةُ يَطَؤُهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ نَكَحَتْ قَبْلَهَا فَمَفْسُوخٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ كَالْبَيْعِ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ بَعْدَ مِلْكِهِ لِجَوَازِ أن يملك من لا تحل له والزواج لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ بَعْدَ نِكَاحِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ فَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِذَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَمْ لَا؟ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في سبي أوطاس: " أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ " وَذَلِكَ لِاسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ بِالسَّبْيِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مِلْكٍ مُسْتَحْدَثٍ فَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ بَيْعِهِ جَازَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ عِتْقِهِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَطَأَهَا بِالْمِلْكِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يَطَأَهَا بِالنِّكَاحِ فَتَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ هُوَ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْبَائِعِ لَهَا قَبْلَ بَيْعِهَا قَدْ أَبْرَأَ رَحِمَهَا في الظاهر،