شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَغْلَظِ الْأَمْرَيْنِ، وَأَغْلَظُهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ، لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهِمَا حَيْضَةٌ فَلَزِمَهَا مَعَ هَذَا الشَّكِّ أَنْ تَعْتَدَّ بِأَبْعَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، أَوْ قُرْءٍ وَاحِدٍ لِتَخْرُجَ مِنْ عَدَّتِهَا بِيَقِينٍ.
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى الشَّافِعِيَّ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي إِيجَابِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا حَيْضَةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِيمَا بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي إِطْلَاقِهِ وَنَسَبَهُ إِلَى الْغَلَطِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَفَصَّلَ الْمُزَنِيُّ اعْتِرَاضَهُ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ فَقَالَ إِنْ أَرَادَ بِهِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسٍ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَقَلَّ فَهُوَ سَهْوٌ وَغَلَطٌ، وَهَذَا الَّذِي اعْتَرَضَ بِهِ الْمُزَنِيُّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفِقْهِ صَحِيحًا فَهُوَ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّافِعِيِّ سُوءُ ظَنٍّ بِهِ وَوَهْمٌ مِنْهُ، وَقَدْ فَصَّلَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " بِمَا يُغْنِي عَنْهُ الظَّنُّ وَالِاشْتِبَاهُ، وَفِي إِطْلَاقِهِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةٌ فِي الْعِلْمِ بِمَوْتِهِمَا، وَوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا وَفِيمَا بَيْنُ مَوْتِهِمَا وَفِي مَسْطُورِهَا مَا يَقْتَضِيهِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَعُمُّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ، وَالْجَوَابُ عَائِدٌ إِلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَأْخُوذٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فَاكْتَفَى بِهِ عَنْ تَفْصِيلِ جَوَابِهِ والله أعلم.
(مسألة)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا تَرِثُ زَوْجَهَا حَتَّى يُسْتَيْقَنَ أَنَّ سَيِّدَهَا مَاتَ قَبْلَ زَوْجِهَا فَتَرِثَهُ وَتَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَالْحُرَّةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اسْتَدَامَ الشَّكُّ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ مِنْهُمَا لَمْ تَرْثِ زَوْجَهَا تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الرِّقِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ غَلَّبْتُمْ حُكْمَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِدَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ، وَغَلَّبْتُمْ حُكْمَ الرِّقِّ فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْعِدَّةِ.
قِيلَ: لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِيَقِينٍ فَلَمْ تَرِثْ بِالشَّكِّ وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ بِيَقِينٍ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا بِالشَّكِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمِيرَاثَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَقِّهِ بِالشَّكِّ وَلَا يَتَعَلَّقَ بِتَغْلِيظِ الْعِدَّةِ إِسْقَاطُ حَقٍّ فَجَازَ أَنْ يَتَغَلَّظَ بِالشَّكِّ.