قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اسْتِبْرَاءَ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فِي حياته بقروء وَاحِدٍ كَالْأَمَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْقُرْءِ هَلْ مَقْصُودُهُ الطُّهْرُ، وَالْحَيْضُ فِيهِ تَبَعٌ كَالْعِدَّةِ أَمْ مَقْصُودُهُ الْحَيْضُ، وَالطُّهْرُ فِيهِ تَبَعٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذكرهما البغدادي.
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ ذَكَرَهُ الْبَصْرِيُّونَ فَصَارَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، لِأَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِيهَا مُحْتَمَلٌ وَلِاحْتِمَالِهِ خَرَّجَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَقَاوِيلَ عَنْهُ، فَأَحَدُ الْوُجُوهِ: أَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الطُّهْرُ، وَالْحَيْضُ تَبَعٌ كَالْعِدَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَهَا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ عِتْقِهِ حَالَتَانِ، حَائِضٌ أَوْ طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ تَعْتَدَّ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضِ، فَإِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا دَخَلَتْ فِي قُرُوئهَا فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ طُهْرَهَا وَرَأَتْ دَمَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ حَلَّت وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَقِيَّةِ هَذَا الطُّهْرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هَلْ يَكُونُ قُرْءًا مُعْتَدًّا بِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ إنَّهُ يَكُونُ قُرْءًا كَمَا يكون في العدة قروءاً لَكِنْ تُضَمُّ إِلَيْهِ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ لِيُعْرَفَ بِهَا بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ، فَإِذَا مَضَتْ بَقِيَّةُ طُهْرِهَا وَاسْتَكْمَلَتِ الْحَيْضَةَ الَّتِي بَعْدَهَا وَانْقَطَعَتْ حَلَّتْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِبَقِيَّةِ، هَذَا الطُّهْرِ قُرْءًا وَإِنْ كَانَ في العدة قروءاً لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ قُرْءًا لَوَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَلَمْ تُضَمَّ إِلَيْهِ حَيْضَةٌ مُسْتَكْمِلَةً، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْءٍ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ فَرْقٌ وَتَوْجِيهٌ: أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْعِدَّةِ قُرُوءًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِأَقْرَاءٍ كَامِلَةٍ فَقَوِيَ حُكْمُهُ بِأَتْبَاعِهَا، وَلَمْ يَكُنْ قُرْءًا فِي العدة لانفراده من غير فَضَعُفَ عَنْ حُكْمِ الْكَمَالِ، فَعَلَى هَذَا لَا تَعْتَدُّ بِبَقِيَّةِ هَذَا الطُّهْرِ حَتَّى يَنْقَضِيَ وَتَحِيضَ ثم الطهر، فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ هَذَا الطُّهْرَ وَرَأَتْ دَمَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ حَلَّتْ فَهَذَا حُكْمُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْقُرُوءِ كَالْعِدَّةِ.
والوجه الثاني: أن المقصد في هذا القروء وَالْحَيْضَ، وَالطُّهْرُ فِيهِ تَبَعٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ حَيْضًا كَامِلًا فَقَوَّى طُهْرَهَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ، فَكَانَ الطُّهْرُ فِيهَا مَقْصُودًا وَطُهْرُ الِاسْتِبْرَاءِ يَضْعُفُ بِانْفِرَادِهِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَصَارَ الْحَيْضُ فِيهِ مقُصودًا لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُنَافِي الْحَمْلَ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ الْحَيْضُ، فَعَلَى هَذَا لَهَا حَالَتَانِ حَائِضٌ أَوْ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ تَعْتَدَّ بِبَقِيَّةِ هَذَا الْحَيْضِ بوفاق البغداديين