النِّكَاحِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ، وَالْإِيلَاءِ انْتَفَى عَنْهَا عِدَّةُ النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَخْلُو فِي اسْتِبْرَائِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً بِالْحَرَائِرِ، أَوْ بِالْإِمَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَطَلَ اعْتِبَارُهَا بِالْحَرَائِرِ، وَثَبَتَ اعْتِبَارُهَا بِالْإِمَاءِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اعْتِدَادِ مَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِثَلَاثَةِ أقراء فهو أن فعلها أضعف حكماً في قَوْلِهَا، وَلَيْسَ قَوْلُهَا حُجَّةً فَفِعْلُهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ حُجَّةً وَعَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِمَّنْ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ وَمَارِيَةُ مُحَرَّمَةٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، فَكَانَ كُلُّ زَمَانِهَا عِدَّةً فَلَمْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحُرَّةِ فَالْمَعْنَى فِيهَا: أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِكَمَالِ طَرَفَيْهَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، لِأَنَّ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ حَالُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي الرِّقِّ، وَهُوَ طَرَفٌ نَاقِصٌ وَنُقْصَانُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مُوجِبٌ لِنُقْصَانِ الْعِدَّةِ كَالْحُرَّةِ إِذَا سُبِيَتْ لَمَّا نَقَصَ طَرَفُهَا الْأَدْنَى وَإِنْ كَمُلَ طَرَفُهَا الْأَعْلَى اقْتَصَرَتْ عَلَى قُرْءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ وَانْفِصَالٌ.
وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَدْ رَوَى رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعشراً يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ فَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَى سُنَّةِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَصَارَ كَالرِّوَايَةِ عَنْهُ نَقْلًا، وَهَذَا أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 232] فَجَعَلَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مَقْصُورَةً عَلَى الْأَزْوَاجِ دُونَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ عَنْ مِلْكٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِقُرْءٍ كَالْأَمَةِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَمِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: مَا حَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ قَبِيصَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرِو.
وَالثَّانِي: أَنَّ الرِّوَايَةَ " لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا " يَعْنِي بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ مِنْهُ عَلَى سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الِاجْتِهَادِ الْمَعْمُولِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا تَحِلُّ أُمُّ الْوَلَدِ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ ".