مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْأَبْكَارِ اللَّاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ الْمَحِيضَ ثُمَّ هِيَ عَلَى حَيْضِهَا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَرَجَعَ حِبَّانُ إِلَى أَهْلِهِ وَأَخَذَ بِنْتَهُ فَلَمَّا فَصَلَتِ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حيضتين ثم توفي حبان قبل الثلاثة فَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَوَرِثَتْهُ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ تَأَخُّرُ حَيْضِهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ يُعْرَفُ فَفِيمَا تَعْتَدُّ بِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومذهب مالك - رحمه الله - أَنَّهَا تَمْكُثُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ تَتَرَبَّصُ بِنَفْسِهَا مُدَّةَ غَالِبِ الْحَمْلِ، فَإِذَا انْقَضَتْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَرِيبَةٍ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِإِيَاسِهَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ بِالظَّاهِرِ دُونَ الْإِحَاطَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِمُضِيِّ عِدَّةِ الْمُدَّةِ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا إِدْخَالُ ضَرَرٍ عَلَيْهَا فَلَمْ يُكَلَّفْ مَا يَضُرُّهَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَأَخَّرَتْ حَيْضَتُهَا بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ لَهَا قُرْءٌ مِنَ الْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ مِنْ شَهْرِهَا لِأَنَّهُ لَا تُبْنَى أَحَدُ الْعِدَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَاسْتَأْنَفَتْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِتَأَخُّرِ حَيْضَتِهَا سَنَةً مِنْهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَيْسَتْ بِعِدَّةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاسْتِظْهَارِ بِهَا فِي اسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا هِيَ الْعِدَّةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَمْكُثُ مُتَرَبِّصَةً بِنَفْسِهَا مُدَّةَ أَكْثَرِ الْحَمْلِ وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ، لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لَهَا وَلِلزَّوْجِ فِي اسْتِبْرَاءِ رَحِمِهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ أَرْبَعُ سِنِينَ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عَاوَدَتِ الْأَقْرَاءَ وَسَقَطَ حُكْمُ مَا مَضَى، وَإِنَّ تَأَخَّرَ بَعْدَ الْحَيْضَةِ اسْتَأْنَفَتْ تَرَبُّصَ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ حُكْمُهَا إِنْ عَاوَدَهَا مِنْ بَعْدُ.
فَأَمَّا إِنْ حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشُّهُورِ الثَّلَاثَةِ رُوعِي حَالُهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ فَقَدِ انْتَهَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَهِيَ عَلَى نِكَاحِ الثَّانِي وَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَزَوَّجَتْ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُعَاوِدُ الِاعْتِدَادَ بِالْأَقْرَاءِ لِمَا يُحْذَرُ مِنْ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ كَمَا لَوْ عَاوَدَهَا الْحَيْضُ قَبْلَ انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عِدَّتَهَا قَدِ انْقَضَتْ لِلْحُكْمِ بِانْقِضَائِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَّهَا تَمْكُثُ مُتَرَبِّصَةً بِنَفْسِهَا مُدَّةَ الْإِيَاسِ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْعِدَدِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَرْحَامِ وَحِفْظِ الْأَنْسَابِ، فَوَجَبَ الِاسْتِظْهَارُ لَهَا لَا عَلَيْهَا،