صَارَ عَدُوًّا بِمَا وَتَرَهُ فِي نَفْسِهِ وَخَانَتْهُ فِي حَقِّهِ، وَأَدْخَلَتِ الْعَارَ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْعَدَاوَةِ مِنْ مُؤْلِمِ الضَّرْبِ وَفَاحِشِ السَّبِّ وَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ مَرْدُودَةٌ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ " أَيْ ذِي جور.
وأما الجواب عن قوله: {فاسشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] ، فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ خطاب للأزواج؛ لأنه تعالى قال: {واللائي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ غَيْرَهُمْ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْحُدُودِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهَا لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ نَفْعًا وَلَا يَسْتَدْفِعُ بِهِ ضَرَرًا وَهُوَ فِي الزِّنَا مَتْهُومٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْفِعُ بِهِ ضَرَرًا وَيَسْتَفِيدُ بِهِ نَفْعًا.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَالْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ التُّهْمَةِ فِي الْأَجْنَبِيِّ وَوُجُودِهَا فِي الزَّوْجِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، فَالشُّهُودُ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ لَا تَكْتَمِلُ بِهِمُ الْبَيِّنَةُ فِي الزِّنَا لِنُقْصَانِ عَدَدِهِمْ فَهَلْ يَصِيرُونَ قَذَفَةً يُحَدُّونَ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ أَتَوْا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ دُونَ الْقَذْفِ، لَوْ كَانُوا قَذَفَةً لَمَا جَازَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ مَعَ كَمَالِ عَدَدِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا بِخُرُوجِهِمْ مِنْ كَمَالِ الشَّهَادَةِ قَذَفَةً، لِإِدْخَالِهِمُ الْمَعَرَّةَ بِالزِّنَا كَالْقَذْفِ الصَّرِيحِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ بِالزِّنَا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعٌ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَتَوَقَّفَ زِيَادٌ عَنِ الْإِفْصَاحِ بِالشَّهَادَةِ أَمَرَ عُمَرُ بِجَلْدِ الثَّلَاثَةِ وَجَعَلَهُمْ قَذَفَةً فَعَلَى هَذَا لَوْ كَمُلَ عَدَدُهُمْ أَرْبَعَةً وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِرِقٍّ أَوْ فِسْقٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَاقِينَ، فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُمْ بِنُقْصَانِ الْعَدَدِ مَعَ كَمَالِ الصِّفَةِ وَبَيْنَ أَنْ تَرُدَّ مَعَ كَمَالِ الْعَدَدِ وَنُقْصَانِ الصِّفَةِ فِي أَنَّ وُجُوبَ حَدِّهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: إِذَا كَمُلَ عددهم ونقصت صفتهم لم يجدوا قَوْلًا وَاحَدًا وَفَرَّقَ بَيْنَ نُقْصَانِ الصِّفَةِ وَنُقْصَانِ الْعَدَدِ بِأَنَّ نُقْصَانَ الْعَدَدِ رَاجِعٌ إِلَى الشُّهُودِ وَنُقْصَانَ الصِّفَةِ رَاجِعٌ إِلَى الْحَاكِمِ، وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: يُوجَبُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ فَعَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا الْحَدُّ، لِأَنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كأحدهم، لكن الزوج أَنْ يُلَاعِنَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ