قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا جَاءَ الزَّوْجُ وَثَلَاثَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى امْرَأَتِهِ مَعًا بِالزِّنَا لَاعَنَ الزَّوْجُ فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّوْجِ غَيْرُ حُكْمِ الشُّهُودِ لأن الشهود لا يلتعنون ويكونون عند أكثر العلماء قذفه يحدون إذا لم يتموا أربعة وإذا زعم بأنها قد وترثه في نفسه بأعظم من أن تأخذ كثير ماله أو تشتم عرضه أو تناله بشديد من الضرب بما يبقى عليه من العار في نفسه بزناها تحته وعلى ولده فلا عداوة تصير إليهما فيما بينها وبينه تكاد تبلغ هذا ونحن لا نجيز شهادة عدو على عدوه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا شَهِدَ الزَّوْجُ مَعَ ثَلَاثَةٍ عُدُولٍ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ مَعَهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُقْبَلُ استدلالا بقوله عز وجل {واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم فاسشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ فِيهِ شَهَادَةُ الزَّوْجِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَلِأَنَّهُ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي حَدٍّ غَيْرِ الزِّنَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي حَدِّ الزِّنَى كَالْأَجْنَبِيِّ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] فَلَمْ يَجْعَلْ لِشَهَادَتِهِ عَلَيْهَا حُكْمًا وَلَا جَعَلَ قَوْلَهُ عَلَيْهَا مَقْبُولًا.
رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَنَتْ وَأَحَدُهُمْ زَوْجُهَا فَقَالَ: يُلَاعِنُ الزَّوْجُ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ، وَهَذَا قَوْلُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا فَهُوَ إِجْمَاعٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ فَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ حُجَّةٌ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ؛ وَلِأَنَّهُ مَنِ انْتَصَبَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِيهَا، أَصْلُهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى خِيَانَتِهَا لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا، أَصْلُهُ إِذَا شَهِدَ عَلَيْهَا بِإِتْلَافِ وَدِيعَةٍ لَهُ فِي يَدِهَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ تَصْدِيقُ نَفْسِهِ بِاللِّعَانِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ لِعَانُهُ، أَصْلُهُ نَفْيُ النَّسَبِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ