قال الشافعي رحمه الله تعالى: " أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وانتفى من ولدها ففرق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ وَقَالَ سَهْلٌ وَابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اللِّعَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ، وَخَامِسٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، فَأَحَدُ الْأَرْبَعَةِ: دَرْءُ الْحَدِّ عَنِ الزَّوْجِ، وَالثَّانِي: نَفْيُ النَّسَبِ عَنْهُ، الثَّالِثُ: وُقُوعُ الْفُرْقَةِ، وَالرَّابِعُ: تَحْرِيمُ التَّأْبِيدِ، وَالْخَامِسُ الْمُخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ وُجُودُ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تُلَاعِنَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الَّذِي يَخْتَصُّ بِاللِّعَانِ حُكْمَانِ، وُقُوعُ الْفُرْقَةِ، وَنَفْيُ النَّسَبِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنِ الزَّوْجِ، وَلَا وُجُوبُ الْحَدِّ عَنِ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ اللعان عليهما، بحسبها عَلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِمَا، وَلَا يُوقِعُ عِنْدَهُ تَحْرِيمَ التَّأْبِيدِ، لِأَنَّهُ يَحِلُّهَا لَهُ إِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي وُجُوبِ الْحَدَّيْنِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن ابن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمُتَلَاعِنَانِ إِذَا تَفَرَّقَا لَمْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا "، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: اللِّعَانُ مُخْتَصٌّ بِنَفْيِ النَّسَبِ وَحْدَهُ وَلَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ إِلَّا بِطَلَاقِ الزَّوْجِ فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعَجْلَانِيَّ طَلَّقَ حِينَ لَاعَنَ فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَهُمَا بِالطَّلَاقِ وَقَدْ رَوَى أَبُو مَالِكٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُمَا قَالَا: " مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْمُتَلَاعِنَانِ أَبَدًا " وَذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى سُنَّةِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَأَنَّهُمَا رَوَيَاهُ نُطْقًا، وَسَيَأْتِي مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِمَا مَا يَدْفَعُ قَوْلَهُمَا.
فَإِذَا اسْتَقَرَّ ثُبُوتُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ بِاللِّعَانِ فَنَفْيُ النَّسَبِ مُخْتَصٌّ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفُرْقَةِ بِمَاذَا تَقَعُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَقَعُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ الْأَحْكَامُ