فَهَلَّا عَدَلَ عَنْ إِحْلَافِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى إِلَى مَا يَكُونُ تَوَقِّيهِمْ لَهُ أَكْثَرَ وَحَذَرُهُمْ مِنْهُ أَعْظَمَ، قِيلَ: الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةٌ قَدْ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهَا، وَلَيْسَ إِذَا كَانَ تَوَقِّيهِمْ لِغَيْرِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْتَضِي تَسْوِيغَ إِحْلَافِهِمْ بِهِ وَأَنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَوَقَّى الْحَلِفَ بِسُلْطَانِهِ أَكْثَرَ مِنْ تَوَقِّي الْحَلِفِ بِاللَّهِ، وَيَجِبُ إِحْلَافُهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّوْهُ وَلَا يَجُوزُ إِحْلَافُهُمْ بِسُلْطَانِهِمْ وَإِنْ تَوَقَّوْهُ، كَذَلِكَ حَالُ مَنْ لَا دِينَ لَهُ مِنَ الْكَفَّارِ يَحْلِفُونَ فِي أَيْمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّوْهُ وَيُسْتَفَادُ بِهَا فِي اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ ثُبُوتُ مَا يَتَعَلَّقُ بها من الأحكام في وقوع الفرقة وتأييد التَّحْرِيمِ وَنَفْيِ النَّسَبِ لِتَجْرِيَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ إِكْرَاهًا وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوهَا دِينًا، وَيَكُونُوا مُؤَاخَذِينَ بِعِقَابِ اجْتِرَائِهِمْ مَعَ عِقَابِ كُفْرِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: فإن أغلظ عَلَيْهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَهُ مِنْ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مُوَاطِنَ كَفْرِهِمْ. هَلَّا غَلَّظَ عَلَيْهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَهُ مِنْ أَيْمَانِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مَعَاصِيهِمْ.
قِيلَ: لَيْسَتْ بِيَعُهُمْ وَكَنَائِسُهُمْ مَعْصِيَةً، إِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يُبْدُونَهُ فِيهَا مِنْ كُفْرِهِمْ وَيَتَظَاهَرُونَ بِهِ من شكرهم فَجَازَ الدُّخُولُ إِلَيْهَا إِذَا لَمْ يُجَاهِرُونَا فِيهَا بِكُفْرِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ أَيْمَانِهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَهُ مِنْ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْنَامِهِمْ لِكَوْنِهَا مَعَاصِيَ يُسْتَحَقُّ الْعِقَابُ عليها فافترقا - والله أعلم بالصواب -.