فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ تَغْلِيظِ اللِّعَانِ شَرْعًا بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَهِيَ فِي اللُّزُومِ والاختيار منقسمة أقسام:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ شَرْطًا مُسْتَحَقًا فِيهِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ تَكْرَارُ شَهَادَتِهِمَا أَرْبَعًا، وَفِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الزَّوْجِ وَغَضَبُ اللَّهِ عَلَى الزَّوْجَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ مُسْتَحَبًّا وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا مُسْتَحَقًا وَهُوَ شَيْئَانِ
أحدهما: تغليظه بالزمان، وتغليظه بِالْجَمَاعَةِ،
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ، وَهُوَ تَغْلِيظُهُ بِالْمَكَانِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شَرْطٌ مُسْتَحَقٌّ لَا يَتِمُّ اللِّعَانُ إِلَّا بِهِ إِلْحَاقًا بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يُؤَثِّرُ تَرْكُهُ فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ وَجَوَازِهِ إِلْحَاقًا بالزمان والجماعة.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ وُجُوبُ الِابْتِدَاءِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ حُضُورِ الزَّوْجَيْنِ، لِأَنَّهُ لِعَانٌ بَيْنَهُمَا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، وَأَقَلُّ مَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَ صَاحِبِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرَاهُ مَعَ سَمَاع لِعَانِهِ لِيَسْتَطِيعَ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ فَإِنْ تَبَاعَدَا عَنْ هَذَا الْمَوْقِفِ فَلَمْ يرد أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا سَمِعَ كَلَامَهُ فَأَوْلَى الْأُمُورِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَجْمَعُ أَرْبَعَةً مِنْ شُهُودِ اللِّعَانِ بَيْنَ رُؤْيَتِهِمَا وَسَمَاعِ كَلَامِهِمَا، فَإِنْ تَبَاعَدَا عَنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الثُّنَائِيِّ، وَتَبَاعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ رُؤْيَةِ صَاحِبِهِ وَعَنْ جَمْعِ الشُّهُودِ بَيْنَ رُؤْيَتِهِمَا وَسَمَاعِ كَلَامِهِمَا جَازَ، لِأَنَّ لِعَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ جَائِزٌ وَالْمَوْتُ قَاطِعٌ لِلِاجْتِمَاعِ، لَكِنْ إِنْ بَعُدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ مَكْرُوهًا، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَمْ يُكْرَهْ، وَمِنَ الْأَعْذَارِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَائِضًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لَكِنْ تَقِفُ فِي أَقْرَبِ بَوَّابَةٍ مِنَ الْمِنْبَرِ الَّذِي يُلَاعِنُ فِيهِ الزَّوْجُ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا اسْتَقَرَّ هَذَا الشَّرْحُ اخْتِيَارًا وَجَوَازًا ابْتَدَأَ الْحَاكِمُ بِالزَّوْجِ فَأَقَامَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عِنْدَهُ وَالزَّوْجَةُ جَالِسَةٌ، لِيَكُونَ قِيَامُ الزَّوْجِ أَشْهَرَ لَهُ فِي النَّاسِ لِيُشَاهِدَهُ جَمِيعُهُمْ فَيَنْزَجِرَ وَلِيَرَاهُ وَيَسْمَعَهُ جَمِيعُهُمْ فَيَشْهَدُوا، فَإِذَا الْتَعَنَ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ نَزَلَ عَنْ مَقَامِهِ وَجَلَسَ وَقَامَتِ الزَّوْجَةُ فِي مِثْلِ مَقَامِهِ وَلَاعَنَتْ مِثْلَ لِعَانِهِ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ مِنَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ فِيهِمَا، فَإِنِ الْتَعَنَا جَالِسَيْنِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ إِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَمْ يُكْرَهْ إن كان لعذر.