الحاوي الكبير (صفحة 5096)

وَالثَّانِي: نَصُّ السُّنَّةِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حين ابتدأ في السعي بالصفا، وقال: " ابدأوا بما بدأ الله به ".

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ تَغْلِيظُهُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى شَرْحِ كُلِّ فَصْلٍ مِنْهَا، أَمَّا تَغْلِيظُهُ بِتَكْرَارِ الْعَدَدِ فَسَنَذْكُرُ شَرْحَهُ مِنْ بَعْدُ، وَأَمَّا تَغْلِيظُهُ بِالْمَكَانِ فَفِي أَشْرَفِ مَكَانٍ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَتَلَاعَنَانِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَبَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ، وَيُسَمَّى هَذَا الْمَوْضِعُ: الْحَطِيمَ، قِيلَ: لِأَنَّهُ يُحَطِّمُ الْعُصَاةَ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَفِي مَسْجِدِهَا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَا هُنَا عَلَى الْمِنْبَرِ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عِنْدَ الْمِنْبَرِ فاختلف أصحابنا على ثلاثة أوجه:

أحدهما: إنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عِنْدَهُ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه لايلاعن بَيْنَهُمَا عَلَى الْمِنْبَرِ، لِأَنَّهُ مَقَامُ عُلُوٍّ وَشَرَفٍ، وَاللِّعَانُ نَكَالٌ وَخِزْيٌ فَاخْتَلَفَ مَقَامُهُمَا لِتَنَافِيهِمَا، وَحُمِلَ قول الشافعي على المنبر، أي عنده، ولأنها حُرُوفُ صِفَاتٍ يُخْلِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمِنْبَرِ إِنْ كَثُرَ النَّاسُ، وَعِنْدَ الْمِنْبَرِ إِنْ قَلُّوا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُشَاهَدَةُ الْحَاضِرِينَ لَهُمَا، وَسَمَاعُ لِعَانِهِمَا، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ وَإِنْ كَانَ نَكَالًا أَنْ يَكُونَ فِي مَقَامِ شَرَفٍ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبِقَاعِ الشَّرِيفَةِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي النَّكَالِ.

وَإِنْ كَانَ هَذَا اللِّعَانُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. كَانَ فِي مَسْجِدِهَا الْأَقْصَى، وَفِي مَوْضِعِ الِاخْتِيَارِ مِنْهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ، عِنْدَ الصَّخْرَةِ، لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ.

وَالْوَجْهِ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ وَطَائِفَةٍ: إنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِالشُّهْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ فَفِي جَوَامِعِهَا، لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَيَكُونُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ أَوْ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَضَى، وَأَمَّا تَغْلِيظُهُ بِالزَّمَانِ فَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَإِقَامَةِ جَمَاعَتِهَا، ولا يلتعنان بعد دخول وقتها وقبل إقامتهما لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقْتٌ لِلدُّعَاءِ، وَلِارْتِفَاعِ الْأَعْمَالِ، وَأَمَّا تَغْلِيظُهُ بِالْجَمَاعَةِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أنهم فَمَا زَادَ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْبَيِّنَةِ فِي الزِّنَا ويكونوا عُدُولًا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِيَجْتَمِعَ الْأَشْهَادُ بِحُضُورِهِمْ، وَالْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَتِهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015