وَالْعُذْرُ الرَّابِعُ: الْفِطْرُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفِطْرِ بِالْمَرَض فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يبطل التتابع كان الفطر بالجنون بالإغماء أَوْلَى أَنْ لَا يُبْطِلَ التَّتَابُعَ لِوُجُودِ عِلَّتَيْهِ وَهُمَا: الْعُذْرُ وَوُقُوعُ سَبَبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْفِطْرَ بِالْمَرَضِ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ بِعِلَّتَيْنِ فَهَلْ يُبْطِلُهُ الْفِطْرُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُبْطِلُهُ تَعْلِيلًا بِإِمْكَانِ خُلُوِّهِ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُبْطِلُهُ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ كَالْحَيْضِ وَلَا يُنَافِيهِ الْمَرَضُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَصَارَ الْمَرَضُ مُوَافِقًا لِلْحَيْضِ فِي عِلَّتَيْنِ وَمُخَالِفًا لَهُ فِي عِلَّتَيْنِ فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالسَّفَرُ مُوَافِقٌ لِلْحَيْضِ فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي ثَلَاثِ عِلَلٍ فَلِذَلِكَ كَانَ أَضْعَفَ مِنَ الْمَرَضِ وَالْجُنُونُ، وَالْإِغْمَاءُ مُوَافِقٌ لِلْحَيْضِ فِي ثَلَاثِ عِلَلٍ وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلِذَلِكَ كَانَ أَقْوَى مِنَ الْمَرَضِ.
وَالْعُذْرُ الْخَامِسُ: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إِذَا أَفْطَرَتَا بِالْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِخَوْفٍ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَهُوَ كَالْفِطْرِ بِالْمَرَضِ فَيَكُونُ بُطْلَانُ التَّتَابُعِ بِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِخَوْفِهِمَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا فَإِنْ قِيلَ: فَالْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فَهَذَا أَوْلَى لِوُجُودِ عِلَّتَيْنِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْخَوْفَ عَلَى النَّفْسِ لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ لِعِلَّتَيْنِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ فِطْرٌ بِعُذْرٍ.
وَالثَّانِي: يُبْطِلُ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ وَقَعَ عَنِ اخْتِيَارٍ فَصَارَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي السَّفَرِ.
وَالْعُذْرُ السَّادِسُ: الْإِكْرَاهُ وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْأَكْلِ بِأَنْ يُوجَرَ فِي حَلْقِهِ كُرْهًا فَلَا يُفْطِرُ. وَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ وَتَتَابُعِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُكَرَهُ بِالضَّرْبِ وَمَا يَصِيرُ بِهِ مُكْرَهًا لِيَأْكُل فَيَأْكُلُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ فَفِي فِطْرِهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْحَالِفِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ هَلْ يَصِيرُ حَانِثًا أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُفْطِرُ فِي صَوْمِهِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ عَلَى تَتَابُعِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِوُجُودِ عِلَّتَيْنِ وَعَدَمِ عِلَّتَيْنِ كالمرض: