الْإِيلَاءِ، بِمَشِيئَتِهَا رِضًا مِنْهَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مِنَ الْمُطَالَبَةِ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ بِمَشِيئَتِهَا رِضًا مِنْهَا فِي إِسْقَاطِ حَقِّهَا مِنَ الْمِيرَاثِ، قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ لَا يَجِبُ إِلَّا بِثُبُوتِ الْإِيلَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ رِضَاهَا بِالْإِيلَاءِ مُسْقِطًا لِثُبُوتِ حَقِّهَا مِنْهُ، وَالْمِيرَاثُ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ رِضَاهَا بِالطَّلَاقِ مُسْقِطًا لِحَقِّهَا مِنَ الْمِيرَاثِ.
وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ، بِخِلَافِ مَشِيئَتِهَا، لِأَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهَا كَانَ فِيهِ تَمْلِيكٌ فروعي فيه الفور، وإذا علق بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَمْلِيكٌ، فَلَمْ يُرَاعَ فِيهِ الْفَوْرُ، فَمَتَى قَالَ زَيْدٌ قَدْ شِئْتُ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ قَالَ لَسْتُ أَشَأْ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ تَعْلَمْ مَشِيئَتَهُ لَمْ يَنْعَقِدِ الْإِيلَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا مَشِيئَةَ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَالْإِيلَاءُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا سِوَاءٌ لِمَا تَكُونُ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا سَوَاءٌ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِيلَاءَ مُطْلَقًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْإِيلَاءُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا سَوَاءٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ مُولِيًا إِلَّا فِي الْغَضَبِ دُونَ الرِّضَا وَحَكَى نَحْوَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِضْرَارِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْغَضَبِ، فَكَانَ الْغَضَبُ فِيهِ شَرْطًا، وَهَذَا فَاسِدٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] وَلَمْ يُفَرِّقْ، لِأَنَّهَا يَمِينٌ بِاللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَوَى فِيهَا حَالُ الْغَضَبِ وَالرِّضَا كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ انْعَقَدَتْ فِيهَا الْيَمِينُ فِي غَيْرِ الْإِيلَاءِ انْعَقَدَتْ فِيهَا يَمِينُ الْإِيلَاءِ كَالْغَضَبِ.
فَأَمَّا قَصْدُ الْإِضْرَارِ فَلَا يُرَاعَى فِيهَا وَإِنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ دُونَ قَصْدِهِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الرِّضَا كَوُجُودِهِ فِي الْغَضَبِ وَإِنْ لَمْ يقصد.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَى أُخْرِجَكَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إِخْرَاجِهَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّقْسِيمِ فَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا مِنَ الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِهَا مَتَى شَاءَ، وَيَقْرَبُهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: لَا أَقْرَبُكِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِهَا وَإِصَابَتِهَا مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ، فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا كَانَ مُولِيًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِخْرَاجِهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا كَانَ مُولِيًا، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِوَطْئِهَا ثُمَّ