فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ سَبْعِ مَسَائِلَ، وَرَأْيُ الشَّافِعِيِّ قَدْ خَالَفَ فِي جَوَابِ بَعْضِ مَا يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ اخْتِلَافُ جَوَابِهِ لِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ عَلَى مَا بيناه في فطام [أم] الْوَلَدِ وَقُدُومِ الْغَائِبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: (وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ إِنْ شِئْتِ فَشَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ مُولٍ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِيلَاءِ بِمَشِيئَتِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أقسام:
أحدها: أن يقول: والله لا أقربك إن شئت أن أَقْرَبَكِ فَتَكُونَ مَشِيئَتُهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا شَرْطًا فِي الْإِيلَاءِ مِنْهَا، فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَنْعَقِدْ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا قَرَبْتُكِ إِنْ شِئْتِ أَنْ أَقْرَبَكِ فَيَكُونَ مَشِيئَتُهَا أَنْ يَقْرَبَهَا شَرْطًا فِي انْعِقَادِ الْإِيلَاءِ مِنْهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ يَقْرَبَهَا، انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الأول. لَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبَنَّكِ إِنْ شِئْتِ فَتَكُونَ مَشِيئَتُهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا شَرْطًا، وَلَا تَكُونَ مَشِيئَتُهَا أَنْ يَقْرَبَهَا شَرْطًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ وَفْقَ الْمَشْرُوطِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَشِيئَتُهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ إِلَّا أَنْ تَشَائِي فَتَكُونَ مَشِيئَتُهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا شَرْطًا فِي رَفْعِ الْإِيلَاءِ لَا فِي انْعِقَادِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ شَاءَتْ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ لَمْ تَشَأِ انْعَقَدَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ إِثْبَاتٌ وَقَوْلَهُ إِلَّا أَنْ تَشَائِي نَفْيٌ، فَصَارَ مُثْبِتًا لِلْإِيلَاءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَمُثْبِتًا لَهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى صِفَةِ مَشِيئَتِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَشِيئَتِهَا لِأَنَّ فِيهِمَا نَوْعًا مِنَ التَّمْلِيكِ، وَهَلْ يُرَاعَى فِيهِ حُكْمُ الْفَوْرِ أَوْ حُكْمُ الْمَجْلِسِ، عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ:
أَحَدُهُمَا: يُرَاعَى حُكْمُ الْفَوْرِ، فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ أَنْ تَكُونَ مَشِيئَتُهَا جَوَابًا فِي الْحَالِ كَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ وَإِنْ تَمَادَى زَمَانًا وَإِنْ قَلَّ أَوْ تَخَلَّلَهُمَا كَلَامٌ بَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرَاعَى فِيهَا الْمَجْلِسُ، فَإِنْ شَاءَتْ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّتْ مَشِيئَتُهَا وَثَبَتَ حُكْمُهَا، وَإِنْ شَاءَتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَلَا حُكْمَ لِمَشِيئَتِهَا، فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا كَانَ تَعْلِيقُ