{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ وَلَا تَمْلِكُهُ الزَّوْجَةُ. فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ اشْتَرَكَ الزَّوْجَانِ فِي النِّكَاحِ وَتَفَرَّدَ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ. قِيلَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَكَ الزَّوْجَانِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَلَمَّا اخْتُصَّ الزَّوْجُ بِالْتِزَامِ الْمَؤُونَةِ جَازَ أَنْ يُخْتَصَّ الزَّوْجُ بِإِيقَاعِ الْفُرْقَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ يُجْعَلِ الطَّلَاقُ إِلَيْهَا، لِأَنَّ شَهْوَتَهَا تَغْلِبُهَا فَلَمْ تُؤْمَنْ مِنْهَا مُعَاجَلَةُ الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّنَافُرِ وَالرَّجُلُ أَغْلَبُ لِشَهْوَتِهِ مِنْهَا. وَأَنَّهُ يُؤْمَنُ منه معاجلة الطلاق عند التنافر.
قال الشافعي: (وَطَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا امْرَأَتَهُ وهي حائض في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال عمر فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن ذلك فقال (مرة فليراجعها ثم ليمسكها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إن شاء أمسكها بعد وإن شاء طلق فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لها النساء) (قال) وقد روى هذا الحديث سالم بن عبد الله ويونس بن جبير عن ابن عمر يخالفون نافعاً في شيء منه قالوا كلهم عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال (مره فليراجعها ثم ليمسكها حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أمسك وإن شاء طلق) ولم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر (قال) وفي ذلك دليل على أن الطلاق يقع على الحائض لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يأمر بالمراجعة إلا من لزمه الطلاق) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الطَّلَاقُ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: طَلَاقُ سُنَّةٍ، وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ، وَطَلَاقٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ ولا بدعة.
[القسم الأول في طلاق السنة]
فَأَمَّا طَلَاقُ السُّنَّةِ فَهُوَ: طَلَاقُ الْمَدْخُولِ بِهَا في طهر لم تجامع فيه.
[القسم الثاني وهو طلاق البدعة]
وَأَمَّا طَلَاقُ الْبِدْعَةِ فَطَلَاقُ اثْنَتَيْنِ الْحَائِضِ وَالطَّاهِرِ الَّتِي قَدْ جُومِعَتْ فِي طُهْرِهَا أَمَّا الْحَائِضُ فَكَانَ طَلَاقُهَا بِدْعَةً؛ لِأَنَّهَا طُلِّقَتْ فِي زَمَانٍ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ عِدَّتِهَا وَأَمَّا الْمُجَامَعَةُ فِي طُهْرِهَا. فَلِإِشْكَالِ أَمْرِهَا هَلْ عَلَقَتْ مِنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ بِالطُّهْرِ وَتَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ. أَوْ لم تعلق منه فتعتد بالطهر.