اللَّيْلِ وَقْتًا لِصَلَاةِ الْوِتْرِ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَهِيَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِشَاءِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لِلْعَشَاءِ أَدَاءً لَا قَضَاءً، لِأَنَّ الصَّلَاةَ التَّابِعَةَ إِنَّمَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ الْمَتْبُوعَةِ كَرَكْعَتِي الفجر.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا أَذَانَ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ خلا الصبح فإنها يؤذن قبلها بليل وليس ذلك بقياس ولكنا اتبعنا فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَجُوزُ الْأَذَانُ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا إِلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا بِلَيْلٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أبو حنيفة، وَالثَّوْرِيُّ: لَا يَجُوزُ الْأَذَانُ لَهَا إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِرِوَايَةِ شَدَّادٍ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَنِيرَ لَكَ الْفَجْرُ هَكَذَا " وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضَا.
وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيَرْجِعُ فَيُنَادِي أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ فَرَجَعَ فَنَادَى أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ ".
وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَرْقَى فَيُنَادِيَ أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ فَرَقَا وَهُوَ يَقُولُ:
(لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ ... وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمٍ جَبِينُهُ)
قَالَ: وَلِأَنَّهُ أَذَانٌ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى فِيهِ الصُّبْحُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا فِيهِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ".
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّمَا كَانَ بِلَالٌ يُنَادِي لِلسُّحُورِ وَلَا يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَ الْأَذَانِ مُخْتَصٌّ بِالصَّلَاةِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي جَمِيعِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ سُحُورًا لَمْ يُشْكِلْ عَلَيْهِمْ وَلَا احْتَاجُوا إِلَى تَعْرِيفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " لا يمنعنكم أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِكُمْ فَإِنَّمَا يُؤْذِنُكُمْ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيُنَبَّهَ نَائِمُكُمْ ".