وَالثَّانِي: أَنَّهُ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ فَعَلَى هَذَا قَدْ يُظْلِمُ اللَّيْلُ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى وَقْتِهَا الثَّانِي، وَكَذَا الْجَوَابُ عَنِ اسْوِدَادِ الْأُفُقِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ فَمَدْفُوعٌ بِمُعَارَضَتِنَا لَهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنِ اسْتِدْلَالِنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب -.
: قال الشافعي: " ثم لَا يَزَالُ وَقْتُ الْعِشَاءِ قَائِمًا حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهِ فَقَالَ فِي القديم، والإملاء: آخره نصف الليل، وقال في الجديد: آخره ثُلْثِ اللَّيْلِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ جُمْهُورُهُمْ يُخْرِجُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وقَتَادَةَ، وَفِي الْفُقَهَاءِ قَوْلُ أبي حنيفة وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَوَجْهُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ".
وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ ".
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِلَى ثُلْثِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي الْفُقَهَاءِ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ.
وَوَجْهُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَمَّنِي جِبْرِيلُ فَصَلَّى بِيَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ في اليوم الثاني حيث ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ " وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سريج يمنع تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَيَجْعَلُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا حَكَيْنَا وَاخْتِلَافَ النَّصِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، فَيَسْتَعْمِلُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى إِلَى ثُلْثِ اللَّيْلِ عَلَى أنه آخر وقت الابتداء بها، وراوية مَنْ رَوَى إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ وَقْتِ انْتِهَائِهَا حَتَّى لَا يُعَارِضَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يَكُونُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مُخْتَلِفًا.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَجَاوَزَ هَذَا الْقَدْرَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ وَقْتَهَا فِي الْجَوَازِ بَاقٍ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخَرِيُّ: قَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا اخْتِيَارًا وَجَوَازًا، وَمَنْ فَعَلَهَا بَعْدَهُ كَانَ قَاضِيًا لَا مُؤَدِّيًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتًا لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ دُونَ الرَّفَاهِيَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ " الْأُمِّ " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا جَعَلَ الْمُدْرِكَ لِرَكْعَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مُدْرِكًا لِلْعَصْرِ، وَالْمُدْرِكَ لِرَكْعَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُدْرِكًا لِلصُّبْحِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْمُدْرِكَ لِرَكْعَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مُدْرِكًا لِلْعَشَاءِ دَلَّ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمَيْنِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، وَالصَّحِيحُ بَقَاءُ وَقْتِهَا فِي الْجَوَازِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَفُوتُ صَلَاةٌ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى "، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا بَعْدَ ثُلْثِ