فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَإِنْ سَقَطَ الْمَهْرُ بِالْفَسَادِ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُفَوَّتٌ بِالْعَقْدِ، فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَعْدِلَ إِلَى قِيمَتِهِ وَهِيَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا بِثَوْبٍ فَمَاتَ فِي يَدِهِ وَرَدَّ بَائِعُهِ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ، رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ حِينَ فَاتَ الرُّجُوعُ بِعَيْنِهِ.
قَالَ الشافعي: " وَفِيِ قَوْله تَعَالَى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً) {النساء: 20) دليلٌ عَلَى أَنْ لَا وَقْتَ لِلصَدَاقِ يَحْرُمُ بِهِ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عَنِ التَّكْثِيرِ وَتَرْكِهِ حَدَّ القليل وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَدَّوُا الْعَلَائِقَ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا العلائق؟ قال: " ما تراضى به الأهلون " قال ولا يقع اسم علق إلا على ماله قيمةٌ وإن قلت مثل الفلس وما أشبهه وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لرجلٍ " التمس وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حديدٍ " فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شيئاً فقال " هل معك شيءٌ من القرآن؟ " قَالَ نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا فَقَالَ " قد زوجتكها بما معك من القرآن " وبلغنا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال؛ " من استحل بدرهم فقد استحل " وأن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ في ثلاث قبضات زبيبٍ مهرٌ وقال ابن المسيب لو أصدقها سوطاً جاز وقال ربيعة قال درهمٌ قلت وأقل؟ قال ونصف درهم قال قلت له فأقل؟ قال نعم وحبة حنطةٍ أو قبضه حنطةٍ (قال الشافعي) فما جاز أن يكون ثمناً لشيءٍ أو مبيعاً بشيءٍ أو أجرةً لشيءٍ جاز إذا كانت المرأة مالكةً لأمرها ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي أَكْثَرِ الْمَهْرِ.
وَالثَّانِي: في أقله.
القول في أكثر الصداق
فَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً) {النساء: 20) وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْقِنْطَارِ سَبْعَةَ أَقَاوِيلَ.
وَحَكَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: لَا تُغَالُوا فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ، فَمَا بَلَغَنِي أَنَّ أَحَدًا سَاقَ أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا جَعَلْتُ الْفَضْلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: يُعْطِينَا اللَّهُ وَتَمْنَعُنَا كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} (النساء: 20) فَرَجَعَ عُمَرُ وَقَالَ: كُلُّ أَحَدٍ يَصْنَعُ بِمَالِهِ مَا شَاءَ، فَكُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى امْرَأَةٌ.