وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمَهْرِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ قِيَاسًا عَلَى تَرْكِهِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ: فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ بِفَسَادِ الْمَهْرِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بِالتَّشْرِيكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْبَيْعِ: فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِتَرْكِ الثَّمَنِ فَبَطَلَ بِفَسَادِهِ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِفَسَادِهِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِفَسَادِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ، وَلَا يَبْطُلُ بِتَرْكِهِمَا.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ قَدْ قَابَلَا جُزْءًا مِنَ الثَّمَنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْعُرْفِ يَزِيدُ بِدُخُولِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ، فَإِذَا بَطَلَا أَوْجَبَ بُطْلَانَ مَا قَابَلَهُمَا مِنَ الثَّمَنِ فَصَارَ الْبَاقِي مَجْهُولًا، وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ تُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ فِيمَا أَفْضَى إِلَى فَسَادِ الْمَهْرِ أَكْثَرُ مِنْ سُقُوطِهِ، وَسُقُوطُهُ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ.
فَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِجَهَالَةِ الْمَهْرِ وَتَحْرِيمِهِ، فَالْمَهْرُ بَاطِلٌ بِالْجَهَالَةِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ مَنَعَتْ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَنَعَتْ مِنْ صِحَّةِ الْمَهْرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ؟ جَازَ، وَكَانَ لَهَا عَبْدٌ سِنْدِيٌ؛ لِأَنَّ الرُّومِيَّ أَعْلَى وَالزِّنْجِيَّ أَدْنَى وَالسِّنْدِيَّ وَسَطٌ، فَيُحْكَمُ لَهَا بِهِ؟ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ الْعَبِيدِ.
احْتِجَاجًا بِأَنَّ الْمَهْرَ أَحَدُ عِوَضِ النِّكَاحِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا كَالْبُضْعِ قَالَ: وَلِأَنَّ جَهَالَةَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مَجْهُولُ الْجِنْسِ، مَجْهُولُ الْقَدْرِ، مَجْهُولُ الصِّفَةِ، وَالْعَبْدَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ مَعْلُومُ الْقَدْرِ، مَجْهُولُ الصِّفَةِ. فَإِذَا جَازَ أَنْ يَجِبَ فِيهِ عِنْدَكُمْ مَهْرُ الْمِثْلِ فَلَأَنْ يَجِبُ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى أَوْلَى.
وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا جَهَالَةٌ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ تَمْنَعَ صِحَّةَ الصَّدَاقِ، أَصْلُهُ: إِذَا أَصْدَقَهَا ثَوْبًا وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى فَسَادِ الصَّدَاقِ بِإِطْلَاقِهِ وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدٍ يَبْطُلُ بِجَهَالَةِ الثَّوْبِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِجَهَالَةِ الْعَبْدِ كَالْبَيْعِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى جَهَالَةِ الْبُضْعِ فَهُوَ أَنَّ جَهَالَةَ الْبُضْعِ تَمْنَعُ مِنَ الصِّحَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ: كُبْرَى، وَصُغْرَى، وَوُسْطَى وَقَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَأَطْلَقَ، كَانَ بَاطِلًا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُسْطَى كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى. كَذَلِكَ إِذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا وَأَطْلَقَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَعْلَى وَأَدْنَى.
وَأَمَّا مَا اسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَيَفْسُدُ بِجَهَالَةِ الثَّوْبِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ إِنَّمَا أَوْجَبْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ مُتْلَفٍ يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ قِيمَةُ مُتْلَفٍ وَإِنْ جُهِلَتْ