وَالْغُزَاةُ يُعْطَوْنَ وَإِنْ سُمُّوا بَعْدَ الْأَخْذِ غُزَاةً، وَبَنُو السَّبِيلِ يُعْطَوْنَ وَإِنْ سُمُّوا بَعْدَ الْأَخْذِ بَنِي السَّبِيلِ وَلَا يُرَاعَى فِيهِمْ زَوَالُ الِاسْمِ عَنْهُمْ كَمَا يُرَاعَى فِيمَنْ تَقَدَّمَهُمْ.
قَالَ الشافعي: " وَأَيُّ السُّهْمَانِ فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ رُدَّ عَلَى عدد من عدد من بقّى السُّهْمَانِ كَأَنْ بَقَّى فُقَرَاءَ وَمَسَاكِينَ لَمْ يَسْتَغْنُوا وغارمون لم تقض كل دُيُونَهُمْ فَيُقَسَّمُ مَا بَقِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فَإِنِ اسْتَغْنَى الْغَارِمُونَ رُدَّ بَاقِي سَهْمِهِمْ عَلَى هذين السهمين نصفين حتى تنفد السهمان وإنما رد ذلك لأن الله تعالى لما جعل هذا المال لا مالك له من الآدميين بعينه يرد إليه كما ترد عطايا الآدميين ووصاياهم لو أوصي بها لرجل فمات الموصى له قبل الموصي كانت وصيته راجعة إلى ورثة الموصي فلما كان هذا المال مخالفا المال يورث هَهنا لم يكن أحد أولى به عندنا في قسم الله تعالى وأقرب ممن سمى الله تعالى له هذا المال وهؤلاء من جملة من سمى الله تعالى له هذا المال ولم يبق مسلم محتاج إلا وله حق سواه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا قُسِّمَتِ الزَّكَاةُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنَ الْأَصْنَافِ فَكَانَتْ سِهَامُ بَعْضِ الْأَصْنَافِ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ، وَسِهَامُ الْبَاقِينَ مِنَ الْأَصْنَافِ أَقَلَّ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ، لَمْ يُعْطَ الْمُكْتَفُونَ بِبَعْضِ سِهَامِهِمْ إِلَّا قَدْرَ كِفَايَاتِهِمْ، وَنُقِلَ عَنْهُمُ الْفَاضِلُ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ، ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ: أَنْ يُرَدَّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ الَّذِينَ قَصَرَتْ سِهَامُهُمْ عَنْ كِفَايَاتِهِمْ عَلَى مَا وَصَفَهُ مِنَ الْمِثَالِ فِي الْقِسْمَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنَّهُ يُنْقَلُ الْفَاضِلُ مِنْ تِلْكَ السِّهَامِ إِلَى أَهْلِهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ، ولا يرد على باقي الأصناف لأن لا يفاضل بين الأصناف مع تسوية الله تعال بَيْنَهُمْ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَصَحُّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ بِالصَّدَقَةِ عَنْ جِيرَانِ الْمَالِ مَا وُجِدُوا، وَفِي هَذَا عُدُولٌ عَنْهُمْ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَمَّا عَدِمَ بَعْضَ الْأَصْنَافِ وَجَبَ رَدُّ سَهْمِهِ عَلَى مَنْ وُجِدَ وَلَا يُنْقَلُ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَةِ الْمَوْجُودِينَ يُرَدُّ عَلَى مَنِ احْتَاجَ وَلَا يُنْقَلُ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْوَصَايَا إِذَا ضَاقَتْ وَرَدَّ بَعْضُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهَا رُدَّتْ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَلَمْ تُرَدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ كَانَتِ الصدقة بمثابتها، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي: " أَمَّا أَهْلُ الْفَيْءِ فَلَا يَدْخُلُونَ عَلَى أَهْلِ الصدقة وأما أهل الصدقة الأخرى فَهُوَ مَقْسُومٌ لَهُمْ صَدَقَتُهُمْ فَلَوْ كَثُرَتْ لَمْ يدخل عليهم غيرهم وواحد مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّهَا فَكَمَا كَانُوا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا ".
قال الماوردي: وهذا كمال قَالَ وَهِيَ جُمْلَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ: