عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ أَنْ أُقَسِّمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ وَرَثَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْمُشْرِكُ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْلِمِ طَرْدًا وَكَالْمُشْرِكِ عَكْسًا، قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَسَبَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يكون فيئا كمال المسلمين، قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَسَبَهُ فِي حَالِ حَقْنِ دَمِهِ فَلَمْ يَصِرْ فَيْئًا بِإِبَاحَةِ دَمِهِ كَمَالِ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ سَاوَوْا بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَفَضَّلُوهُمْ بِالرَّحِمِ وَالتَّعْصِيبِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا أَوْلَى مِنْهُمْ لقوة شبههم، وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ لِأَهْلِ الدِّينِ الَّذِي ارتد إليه بقول تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا رِوَايَةُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " فإن منعوا من إطلاق اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى الْمُرْتَدِّ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [النساء: 137] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا يحل مال امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ " وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ أَبَاهُ جَدَّ مُعَاوِيَةَ إِلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بامرأة أبيه فأمرني بضرب عنقه وخمس مَاله فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - باستحلال ما نص الله تعالى عَلَى تَحْرِيمِهِ مُرْتَدًّا، وَجَعَلَ مَالَهُ بِتَخْمِيسِهِ إِيَّاهُ فَيْئًا، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإن خمسها لله وللرسول ثُمَّ هِيَ لَكُمْ " وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَنْ حَدَثَ عِصْيَانُهَا بِالْكُفْرِ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَاعَتِهَا بِالْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا مُسْتَفَادٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَرِثْ بحال لم يورث كالكاتب؛ ولأنه كُلّ مَنْ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا مَلَكَهُ فِي إِبَاحَةِ دَمِهِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا ملك فِي حَقْنِ دَمِهِ كَالذِّمِّيِّ طَرْدًا وَالْقَاتِلِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ مَلَكَهُ بِعَوْدِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ بِقَتْلِهِ عَلَى الرِّدَّةِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْمُرْتَدُّ أَوْلَى بِالْمُسْلِمِ يقطع الْمُوَالَاة بِالرِّدَّةِ لَمْ يَصِرِ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِالْمُرْتَدِّ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَمَّا دَفْعُ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عليه مال المستورد إلى ورثته إنما كان لما رأى الْمَصْلَحَة بِاجْتِهَادِهِ وَهُوَ إِمَامٌ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِرَأْيِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذلك تمليكا منه ابتداء عَطِيَّة لَا عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ.
وَأَمَّا تَوْرِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَدَفْعِ أَمْوَالِ الْمُرْتَدِّينَ إِلَى ورثتهم: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِثْلِ مَا فَعَلَهُ علي عليه السلام فِي مَالِ الْمُسْتَوْرِدِ عَلَى طَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ بحمل على المرتدين عن بدل الزكاة حين لم يحكم بكفرهم بالمتع لِتَأَوُّلِهِمْ وَمَقَامِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ الْمُشْرِكُ: فَمُنْتَقِضٌ بِالْمُكَاتَبِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمُسْلِمِ بَقَاءُ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْقَاتِلِ فَهُوَ دَلِيلُنَا؛ لِأَنَّهُ لما كان ما ملك في إباحة دمه موروثا كان