(قال) وميراث المرتد لبيت مال المسلمين ولا يرث المسلم الكافر واحتج الشافعي في المرتد بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " واحتج على من ورث ورثته المسلمين ماله ولم يورثه منهم فقال هل رأيت أحدا لا يرث ولده إلا أن يكون قاتلا ويرثه ولده وإنما أثبت الله الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنَ الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ للأباء من الأبناء ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُورَثُ أَمْ لَا عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ الزِّنْدِيقُ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي ليلى وأبي ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ فَيْئًا في بيت مال المسلمين إِلَّا الزِّنْدِيقَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يقصد بردته إزواء وَرَثَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَالُهُ مِيرَاثًا لَهُمْ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ الَّذِي كَسَبَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَبَعْدَ رِدَّتِهِ يَكُونُ مَوْرُوثًا لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا كَسَبَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا كَسَبَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ امْرَأَةً فَيَكُونُ جَمِيعُهُ مَوْرُوثًا، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وزفر بن الهذيل.
وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ دُونَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْمَذْهَبُ السَّادِسُ: وَهُوَ مَذْهَبُ عَلْقَمَةَ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عروبة وأن مَالَهُ يَنْتَقِلُ إِلَى أَهْلِ الدِّينِ الَّذِينَ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ. وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ مَوْرُوثًا عَلَى اختلاف مذاهبهم بقوله تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُتِيَ بِالْمُسْتَوْرِدِ الْعِجْلِيِّ وَقَدِ ارْتَدَّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَجَعَلَ مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ