أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَطَائِفَةٍ إِنَّ بَيْعَهَا جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَوْلَى بِهَا يَدًا جَازَ أَنْ يَكُونَ بِهَا أَوْلَى بَيْعًا، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إِلَى هَذَا فِي كِتَابِ السِّيَرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جُمْهُورِ كُتُبِهِ: أَنَّ بَيْعَهَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ بِالتَّحْجِيرِ لَمْ يَمْلِكْ وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ كَالشَّفِيعِ الَّذِي يَمْلِكُ بِالشُّفْعَةِ أَنْ يَتَمَلَّكَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ، فَإِذَا قُبِلَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَالثَّمَنُ لازم للمشتري أحيا أو لم يحيي، فَلَوْ أَحْيَاهَا غَيْرُ الْمُشْتَرِي مُتَغَلِّبًا عَلَيْهَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُتَغَلِّبِ الْمُحْيِي، وَفِي سُقُوطِ الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَتَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الثَّمَنَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مِنْ قَبِلِ الْمَبِيعِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْأَرْضِ بِالْإِحْيَاءِ وَإِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَإِنْ أَحْيَاهَا غَيْرُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ؟ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُحْيِي وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَحْيَاهَا الْمُشْتَرِي نُظِرَ فَإِنْ كَانَ بعد أن حكم يفسخ البيع فهي ملك للمشتري لمحيي، وإن كان قبل الحكم يفسخ الْبَيْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا، لِأَنَّ بِإِحْيَائِهَا صَارَتْ مِلْكًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمُحْيِي مُتَغَلِّبًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مِلْكٌ لِلْبَائِعِ الْمُحْجِرِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَصَدَ أَنْ يَمْلِكَهَا بِالثَّمَنِ دُونَ الْإِحْيَاءِ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّمَنُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمِلْكُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يؤجل ثلاثة سنين لا يخاطب فيها فإن لم يحمها حتى مضت السنين الثَّلَاث فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ أَجَلَ الْإِقْطَاعِ ثلاثة سِنِينَ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا وَجْهَ لَهُ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ أَجَلًا شَرْعِيًّا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يُقَدِّرْ فِيهَا أَجَلًا، فَلَوْ أَنَّ الْمُحْجِرَ حِينَ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْإِحْيَاءِ أَوْ رَفْعِ يَدِهِ سَأَلَ التَّأْجِيلَ وَالْإِنْظَارَ أَجَّلَهُ مُدَّةً قَرِيبَةً إِنْ ظَهَرَ لَهُ أَعْذَارٌ وَيُرْجَى قُرْبُ زَوَالِهَا مِنْ إِعْدَادِ آلَةٍ أَوْ جَمْعِ رِجَال أَوْ قدمِ مَالٍ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ، وَلَا يُؤَجَّلُ مَا يَطُولُ زَمَانُهُ أَوْ مَا لَا تَظْهَرُ فِيهِ أَعْذَارُهُ وبالله التوفيق.