الحاوي الكبير (صفحة 2935)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَاهُنَا لَا أُجْبِرُهُ وَقَالَ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى كَفِيلٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا لِاخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَفِيلَ اسْتِحْبَابٌ وَلَا نُجْبِرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْع كقول بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لَمْ يُجْبِرْ أن يدفع إليه بسببه ليؤخذ كَفِيلًا بِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْكَفِيلَ وَاجِبٌ وَيُمْنَعُ حَتَّى يَدْفَعَ كَفِيلًا بِهِ لِأَنَّنَا لَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنِ اسْتِحْقَاقِهِ وَإِنَّمَا دَفَعْنَا إِلَيْهِ تَغْلِيبًا لِحَالِهِ مَعَ تَجْوِيزِ غَائِبٍ يَلْزَمُ الِاحْتِيَاطُ له.

وقال آخرون: بل لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَنَصُّهُ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبِرُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْقُطُ وَنَصُّهُ فِي الدَّعْوَى عَلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ إِذَا كَانَ ممن يسقط.

وقال آخرون: عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِنِ اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ فَنَصُّهُ عَلَى الْإِجْبَارِ إِذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَنَصُّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِجْبَارِ إِذَا كَانَ ثِقَةً. والله أعلم بالصواب.

مسألة

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَإِنْ قَالُوا لَا وَارِثَ غَيْرُهُ قُبِلَتْ عَلَى مَعْنَى لَا نَعْلَمُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى الْإِحَاطَةِ كَانَ خطاً ولم أردهم به لأنه يؤول بِهِمْ إِلَى الْعِلْمِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا شَهِدُوا بَعْدَ إِثْبَاتِ الْوَارِثِ بِنَفْيِ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تكون شهادتهم به على العلم فيقولوا: لا نعلم له وارث غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ فِيهِ بِظَاهِرٍ لَا يَصِلُونَ إِلَى يَقِينِهِ، فَإِنْ شَهِدُوا قَطْعًا فَقَالُوا: لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَقَدْ قَالَ أبو حنيفة: شَهَادَتُهُمْ مَرْدُودَةٌ؛ لِأَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ مِنَ الْقَطْعِ مُسْتَحِيلٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ إِلَّا هَكَذَا، وَلَا أَقْبَلُهَا عَلَى الْعِلْمِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْحَدْسِ وَالظَّنِّ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا خَطَأٌ، وَشَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحَالَةَ الْيَقِينِ فِيهِ تَمْنَعُ مِنَ الْقَطْعِ بِهِ بِخِلَافِ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ يُؤَوَّلُ إِلَى مَنْ قَطَعَ بِهِ إِلَى الْعِلْمِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا تَرْكُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا تَعْنِي فِي عِلْمِهَا، فَصَحَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَالَ أبو حنيفة وَاللَّهُ أعلم بالصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015