وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ لِغَيْرِ آدَمِيٍّ كَإِقْرَارِهِ لِبَهِيمَةٍ أَوْ عَقَارٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ فَلَا يخلو حال الإقرار في ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُضَافَ إِلَى وَجْهٍ مُسْتَحِيلٍ كَإِقْرَارِهِ لِذَلِكَ بِدَيْنٍ مِنْ مُعَامَلَةٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُضَافَ إِلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَلَا يَسْتَحِيلُ كَإِقْرَارِهِ لِمَسْجِدٍ بِمَالٍ مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ لِرِبَاطٍ بِمَالٍ مِنْ وَقْفٍ عَلَيْهِ، أو لماشية مسبلة بعلوفة مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، فَهَذَا إِقْرَارٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَإِنَّمَا هُوَ إِقْرَارٌ بِجِهَاتٍ يَنْصَرِفُ المال فيها.
والقسم الثالث: أن يكون مطرقاً وَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ في المقر للحمل بإقرار مطلقا فَهَذَا الشَّرْطُ الثَّانِي.
: وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ فَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ الْإِقْرَارُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حَدِّهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ جَازَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ حَدٌّ لِمَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلِمَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِهِ سُمِعَتِ الدَّعْوَى فِيهِ، وَمَا رُدَّ فِي أَحَدِهِمَا رُدَّ فِي الْآخَرِ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي مَجْهُولٍ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَصَّى لِي زَيْدٌ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَتُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةُ عَلَى وَارِثِهِ وَيَرْجِعُ إِلَى بَيَانِهِ فِيهَا لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالشَّيْءِ الْمَجْهُولِ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةُ فِيمَا سِوَاهُ.
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَدَنٍ.
أَوْ مَالٍ. فَأَمَّا الْبَدَنُ فَضَرْبَانِ:
حَقٌّ لِلَّهِ.
وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ.
فَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزنى وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَى سَتْرِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ".
وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَالْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِهِ والتمكين وَأَمَّا الْمَالُ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ إِقْرَارٍ.