فَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلَا يَخْلُو حَالُ سُكْرِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْصِيَةٍ. أَوْ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُ فِي مَالٍ وَلَا بَدَنٍ كَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ مَعْصِيَةً فَالْمَذْهَبُ لُزُومُ إِقْرَارِهِ فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ كَمَا يَقَعُ طَلَاقُهُ. وَقَدْ خَرَّجَ الْمُزَنِيُّ قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ فَعَلَى هَذَا إِقْرَارُهُ لَا يَلْزَمُ فِي مَالٍ وَلَا بَدَنٍ.
فَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ فِي زَمَانٍ وَيُفِيقُ فِي زَمَانٍ، فَإِنْ أَقَرَّ فِي زَمَانِ جُنُونِهِ بَطَلَ إِقْرَارُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ لَزِمَ إِقْرَارُهُ.
فَلَوِ اخْتَلَفَا بَعْدَ إِفَاقَتِهِ هَلْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي حَالِ الْجُنُونِ أَمِ الْإِفَاقَةِ؟ فَقَالَ الْمُقِرُّ: كُنْتُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ مَجْنُونًا، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ كُنْتَ مُفِيقًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، فَهَذَا حُكْمُ الْمُقِرِّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِحَالٍ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ.
: وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِمَا تَضَمَّنَهُ الْإِقْرَارُ مِنْ حَقٍّ وَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا.
أَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ.
فَإِنْ كَانَ آدَمِيًّا فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
فَإِنْ كَانَ حراً حُرًّا صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكُوا.
وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهُ دُونَ سَيِّدِهِ كَالْإِقْرَارِ بِالزَّوْجِيَّةِ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهُ كَانَ الْإِقْرَارُ لِسَيِّدِهِ وَكَانَ اسْمُ الْعَبْدِ مُعَارًا فِيهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ قَبُولُ السَّيِّدِ دُونَهُ.