وَالثَّانِي: أَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الِانْتِقَالَ لِمِلْكِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ ارْتِفَاقًا مَجْهُولًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا ثَبَتَ بُطْلَانُ الصُّلْحِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَكَانَا قَدْ عَمِلَا بِهِ وَوَضَعَا فَوْقَ الْحَائِطِ مَا شَاءَا فَالْمِلْكُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يأخذا صَاحِبَهُ بِقَلْعِ مَا وَضَعَهُ فِي الْحَائِطِ مِنْ أَجْذَاعِهِ.
وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ فَهُوَ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ، فَفَسَدَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْإِذْنِ.
وَلِأَنَّ الْإِذْنَ يَقْتَضِي وَضْعَ مَا يَسْتَأْنِفُهُ، كَمَا يَقْتَضِي وَضْعَ مَا تَقَدَّمَهُ ثُمَّ كَانَ مَمْنُوعًا مِنَ الْمُسْتَأْنِفِ، فَكَذَلِكَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا وَجْهَ، لِأَنْ يُقِرَّ أَجْذَاعَ مَنْ شَرَطَ الزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ وَضْعِ مَا شَاءَ مِنْ أَجْذَاعِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ شَاءَا أَوْ أَحَدُهُمَا، قُسِّمَتْ أَرْضُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْكَلَامِ بِحَسْبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ جَبْرًا بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ.
فَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إِلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إِيقَاعِهَا جَبْرًا إِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْعَرْصَةِ طُولًا لَا عَرْضًا.
وَذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إِيقَاعِهَا جَبْرًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ طُولًا وَعَرْضًا وَقَدْ مَضَى مشروحا.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ السُّفْلُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدَيْ آخَرَ فَتَدَاعَيَا سَقْفَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ سَقْفَ السُّفْلِ تَابع لَهُ وَسَطْحَ الْعُلُوِّ أَرْضٌ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: إِذَا كَانَ بَيْتٌ سُفْلُهُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ، فَاخْتَلَفَا فِي السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَتَدَاعَيَاهُ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْعُلُوِّ إِلَّا بِهِ.
وَحُكِيَ عَنْ أبي حنيفة أَنَّهُ يَكُونُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى مِلْكِهِ كَالْجِدَارِ الْمَبْنِيِّ فِي أَرْضِهِ.
وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ غَلَطٌ وَكَوْنُ السَّقْفِ بَيْنَهُمَا أَصَحُّ. لِتَسَاوِي أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِمَا فِيهِ،