الحاوي الكبير (صفحة 2306)

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَسْقُطُ بِالرَّهْنِ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُبَرِّئَهُ الْمَالِكُ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فَيَقُولُ: قَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنَ الضَّمَانِ فَيَبْرَأُ حِينَئِذٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَعُودَ الشَّيْءُ إِلَى يَدِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ إِمَّا قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَّفِقَا بَعْدَ الرَّهْنِ أَنْ يَضَعَاهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ اخْتَارَهُ الرَّاهِنُ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ فَأَمَّا إِنْ أَوْدَعَهُ إِيَّاهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

فَأَمَّا إِنْ أَجَرَهُ إِيَّاهُ، فَإِنْ قِيلَ: بِالْوَدِيعَةِ يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ فَبِالْإِجَارَةِ أَوْلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنَ الضَّمَانِ، وَإِنْ قِيلَ: بِالْوَدِيعَةِ لَا يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ فَفِي الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَبْرَأُ بِهَا مِنَ الضَّمَانِ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ.

وَالثَّانِي: يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْإِجَارَاتِ صِنْفٌ مِنَ الْبُيُوعِ يَسْتَحِقُّ فِيهَا عِوَضًا.

فَأَمَّا إِنْ جَعَلَهُ مُضَارَبَةً فِي يَدِهِ فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَجْهَانِ كَالْوَدِيعَةِ وَفِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ أَنَّهُ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْمَالِ بِحَقِّ الْمُضَارَبَةِ فَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِابْتِيَاعِ شَيْءٍ نُظِرَ، فَإِنِ ابْتَاعَ فِي ذِمَّتِهِ وَنَقَدَ الْمَالَ لَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ، وَإِنِ ابْتَاعَ بِعَيْنِ الْمَالِ سَقَطَ الضَّمَانُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ صَارَ دَافِعًا لِلْمَالِ إِلَى مستحقه عن إذن المال فبرئ مِنْ ضَمَانِهِ وَإِذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ صَارَ قَاضِيًا لِدَيْنٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهِ.

(فَصْلٌ)

إِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ شَيْئًا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ كَانَ ضَامِنًا لَهُ ضَمَانَ غَصْبٍ فَإِنْ رَهَنَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَغْصُوبِ فِيمَا مَضَى مِنَ التَّفْرِيعِ.

إِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ عَارِيَةً فَقَدْ ضَمِنَهَا، فَإِنِ ارْتَهَنَهَا فَهَلْ تَبْطُلُ الْعَارِيَةُ أَمْ لَا: عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ بِحُدُوثِ الرَّهْنِ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كَمَا كَانَ مُنْتَفِعًا بِهَا قَبْلَ الرَّهْنِ فَعَلَى هَذَا ضَمَانُهَا بَاقٍ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: قَدْ بَطَلَتِ الْعَارِيَةُ بِالرَّهْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ ضَمَانُهَا، بخلاف الغصب، لأن الرهن هاهنا قَدْ رَفَعَ الْعَارِيَةَ فَارْتَفَعَ حُكْمُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الغصب.

(مسألة)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَهَنَهُ دَارَيْنِ فَقَبَضَ إِحْدَاهُمَا وَلَمْ يَقْبِضِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015