وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْبَيْعِ فَالْمَعْنَى فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ يُزِيلُ مِلْكَ الْمَالِكِ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ زَالَتْ أَحْكَامُ مِلْكِهِ، وَالضَّمَانُ مِنْ أَحْكَامِ مِلْكِهِ، فَسَقَطَ وَانْتَقَلَ الْمِلْكُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَمِلْكُ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكَ فَلَمْ يَزُلِ الضَّمَانُ، عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ مُنَافِيًا لِلضَّمَانِ فِي اسْتِدَامَتِهِ كَانَ مُنَافِيًا لِلضَّمَانِ فِي ابْتِدَائِهِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ فِي اسْتِدَامَتِهِ كَانَ غَيْرَ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ فِي ابْتِدَائِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ مِنْ نَاحِيَةِ الرَّهْنِ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ فغلط، لأن ابتداء الرهن، إنما كان منافيا للضمان من ناحية الرهن. وكذلك فِي اسْتِدَامَتِهِ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ مِنْ نَاحِيَةِ الرَّهْنِ فَأَمَّا الضَّمَانُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ فَلَا يُنَافِيهِ فِي ابْتِدَائِهِ كَمَا لَا يُنَافِيهِ فِي اسْتِدَامَتِهِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ عَلَى سُقُوطِ الْإِثْمِ، فَالْمَعْنَى فِي الْإِثْمِ: أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بِاحْتِبَاسِهِ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ، وَبِالرَّهْنِ زَالَ احْتِبَاسُهُ بِالْعُدْوَانِ وَصَارَ مُحْتَبِسًا بِحَقٍّ فَلِذَلِكَ زَالَ الْإِثْمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِابْتِدَاءِ الْغَصْبِ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ رَافِعًا لِلْإِثْمِ المستحق باحتباسه قبل الرهن ولما كَانَ رَافِعًا لِلْإِثْمِ فِيمَا بَعْدُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ رَافِعٍ لِلضَّمَانِ الْمُسْتَحَقِّ قَبْلَ الرَّهْنِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَلِأَصْحَابِنَا فِي الْوَدِيعَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَسْقُطُ بِالْوَدِيعَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أن يَدَ الْإِنْسَانِ لَا تُبَرِّئُهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَجَانِبِ، كما لو كان عَلَيْهِ طَعَامٌ فَوَكَّلَهُ فِي اكْتِيَالِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَتَرَكَهُ فِي يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ. فَعَلَى هَذَا قَدِ اسْتَوَى حُكْمُ الرَّهْنِ وَالْوَدِيعَةِ فَسَقَطَ السُّؤَالُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَسْقُطُ بِالْوَدِيعَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِالرَّهْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدُ الْمَالِكِ فَصَارَ بِالْوَدِيعَةِ كَالْعَائِدِ إِلَى يَدِ مَالِكِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ، لِأَنَّ يَدَهُ لِنَفْسِهِ دُونَ مَالِكِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَدِيعَةَ وَالضَّمَانَ يَتَنَافَيَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّى فِي الْوَدِيعَةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُودِعًا وَإِذَا تَنَافَيَا وَصَحَّتِ الْوَدِيعَةُ سَقَطَ الضَّمَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالضَّمَانَ لَا يَتَنَافَيَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى فِي الرَّهْنِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرْتَهِنًا فَلَمْ يسقط الضمان.