البيع الحادث. وأما الذي ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّةِ ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا نَحْكِيهِ مِنْ مَذْهَبِنَا شَرْحًا وَانْفِصَالًا:
أَمَّا تَقَدُّمُ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيَّ قِيمَتُهُ، فَلَيْسَ هَذَا بِضَمَانٍ. وَإِنَّمَا اسْتِدْعَاءُ الْإِتْلَافِ بِعِوَضٍ يَجْرِي الْحُكْمُ فِيهِ مَجْرَى الْمُعَاوَضَاتِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا يَلْزَمُ بِاللَّفْظِ، وَالضَّمَانُ هَاهُنَا يَلْزَمُ بِالْإِتْلَافِ، لَا بِاللَّفْظِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ: ضَامِنٌ، وَمَضْمُونٌ عَنْهُ، وَمَضْمُونٌ لَهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَاهُنَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
وَأَمَّا ضَمَانُ دَرْكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَازُهُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ ضَمَانُ الدَّرْكِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ قَبْلَ وُجُوبِهِ. وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ ضَمَانُهُ جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ ضَامِنَ مَالٍ قَبْلَ وُجُوبِهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مِلْكًا، فَإِنْ كَانَ مِلْكًا، فَالضَّمَانُ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا فَقَدِ اسْتَحَقَّ ثَمَنُهُ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ مَا قَدْ وَجَبَ.
فَإِنْ قِيلَ: إذا جاز ضمان الدرك فهل لا جَازَ أَخْذُ الرَّهْنِ فِيهِ؟
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ، فَجَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ، وَدَفْعُ الرَّهْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي أَخْذِ الرَّهْنِ إِضْرَارًا بِرَاهِنِهِ. إِذْ لَيْسَ يَعْلَمُ وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهِ، وَلَيْسَ فِي الضَّمَانِ إِضْرَارٌ بضامنه فَجَازَ الضَّمَانُ لِزَوَالِ الضَّرَرِ فِيهِ وَلَمْ يَجُزِ الرَّهْنُ، لِحُصُولِ الضَّرَرِ فِيهِ.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا ضَمَانُ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ ضَمَانُهَا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: مَتَى تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ؟ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ. فَعَلَى هَذَا ضَمَانُهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ: تَجِبُ بِالْعَقْدِ جُمْلَةً، وَيُسْتَحَقُّ قَبْضُهَا بِالتَّمْكِينِ فَعَلَى هَذَا ضَمَانُهَا جَائِزٌ، لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا وَجَبَ وَفِي جَوَازِ أَخْذِ الرَّهْنِ بِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ الضمان.
والثاني: لا يجوز كالدرك.