231
- أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ محمول على الفضل المستعمل.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " كل ذلك دلالة أنه لا توقيت فيما يتطهر به المغتسل والمتوضئ إلا على ما أمره الله بِهِ وَقَدْ يُخْرَقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي وَيُرْفَقُ بالقليل فيكفي (قال) وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَمَّا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمُدِّ وَاغْتَسَلَ بِالصَّاعِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا حَدَّ لِلْمَاءِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِهِ الْمُحْدِثُ وَيَغْتَسِلُ بِهِ الْجُنُبُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَاءِ الْوَاحِدِ يَمْنَعُ مِنْ تَحْدِيدِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَاءُ لِمُغْتَسِلٍ فِي غُسْلِهِ مِنَ الصاع، والمتوضي فِي وُضُوئِهِ مِنَ الْمُدِّ، لِرِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَسَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَغْتَسِلُ بَالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه هل هو صاع الزكاة ومدها، فقال بعضهم: هي صاع الزكاة خمسة أرطال وثلث، وقال آخرون: صاع الماء، غير الزكاة قدر ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالْمُدُّ مِنْهُ رِطْلَانِ رَوَاهُ أَنَسٌ، فَإِنْ نَقَصَ الْمُغْتَسِلُ مِنَ الصَّاعِ وَعَمَّ جَمِيعَ شعره وبشره، ونقص المتوضي مِنَ الْمُدِّ وَأَسْبَغَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَأَجْزَأَهُ، وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يُمْكِنُ الْمُغْتَسِلَ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ بِدُونِ الصاع، ولا المتوضي أَنْ يُسْبِغَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ بِأَقَلَّ مِنْ مُدٍّ، وَهَذَا دَفْعُ الْعَيَانِ وَإِنْكَارُ السُّنَّةِ رَوَى عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: " تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثُلُثَيْ مُدٍّ وَجَعَلَ يُدَلِّكُ ذِرَاعَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ عَيَانًا إِسْبَاغُ الْبَدَنِ بِدُونِ الصَّاعِ لِمَنْ رَفِقَ وَلَا يُمْكِنُ بِالصَّاعِ لِمَنْ خَرِقَ لِاخْتِلَافِ الْخَلْقِ وَالْعَادَاتِ وَظُهُورِ ذَلِكَ فِي الْمُشَاهَدَاتِ - وَاللَّهُ أعلم بالصواب -.