رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " الجالب مرزوق، والمحتكر ممحوق " فَلَمَّا زَجَرَ عَنِ الِاحْتِكَارِ كَانَ لِلْإِمَامِ الزَّجْرُ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ.
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن مَرَّ بِحَاطِبٍ إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ إِمَّا أَنْ تَرْفَعَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تُدْخِلَ زَبِيبَكَ الْبَيْتَ فَتَبِيعَهُ كَيْفَ شِئْتَ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سَعَّرَ عَلَى قَوْمٍ طَعَامًا فَخَالَفُوهُ فَحَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَدِ.
قَالَ: وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] لِأَنَّ الْإِلْحَادَ فِيهِ هُوَ احْتِكَارُ الطَّعَامِ فِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَحْتَكِرُوا الطَّعَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِلْحَادٌ. قَالَ: وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَنْدُوبٌ إِلَى فِعْلِ الْمَصَالِحِ فَإِذَا رَأَى فِي التَّسْعِيرِ مَصْلَحَةً عِنْدَ تَزَايُدِ الْأَسْعَارِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَسْعَارِ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} [الشورى: 19] وَفِي التَّسْعِيرِ عَلَيْهِ إِيقَاعُ حَجْرٍ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ".
وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ فَقَالَ بَلْ أَدْعُو ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ فَقَالَ بَلِ اللَّهُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ "، وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ، وَلَا مال.
ولأن الناس مسلطون على أملاكهم والتسعير عَلَيْهِمْ إِيقَاعُ حَجْرٍ فِي أَمْوَالِهِمْ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِيمَنْ جَازَ أَمْرُهُ، وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَنْدُوبٌ إِلَى النَّظَرِ فِي مَصَالِحِ الْكَافَّةِ وليس