النِّصْفُ ثُمَّ افْتَرَقَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْعَقْدِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ بَاطِلًا فِي الكل؛ لأن من شرط صحته تسليم جميع ثمنه فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ جَمِيعُ الثَّمَنِ عَدِمَ الشَّرْطَ فبطل كله.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ: إِنَّ السَّلَمَ فيما تقابضاه جائز وفيما بقي باطل لِأَنَّهُمَا لَوْ تَقَابَضَا الْجَمِيعَ لَصَحَّ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَابَضَاهُ لَبَطَلَ فَوَجَبَ إِذَا تَقَابَضَا الْبَعْضَ وَبَقِيَ البعض أن يصح فيها فِيمَا قَبَضَ، وَيَبْطُلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ قَالُوا وَلَا خِيَارَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِأَنَّ افْتِرَاقَهُمَا عَلَى الْبَعْضِ رِضًا مِنْهُمَا بِالتَّفْرِيقِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أن المسلم فِيمَا لَمْ يَتَقَابَضَاهُ بَاطِلٌ وَفِيمَا تَقَابَضَاهُ عَلَى قولين من تفريق الصفقة وللمسلم إليه الخيار دون المسلم في أن يمضي العقد في البعض أو يفسخ.
فأما إذا تقابضا الثمن ثم بان بعد التفرق أنه رديء معيب فإن عبيه لا يُخْرِجُهُ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، فَإِنْ كَانَ مَعِيبًا قِيلَ لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تسمح بعيبه أو تفسخ العقد به، وليس له أبدا له لتعيينه، وإن لم يكن الثمن معينا، وكان موصوفا على مذهب من يجيزه فَهَلْ لَهُ إِبْدَالُهُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ.
فيمن صارت دراهم، غير معيبة فبانت بعد التفرق معيبة رديئة فَهَلْ لَهُ الْبَدَلُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ كَذَلِكَ. مَسْأَلَتُنَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَهُ الْبَدَلُ وَلَا خِيَارَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا بَدَلَ لَهُ وَيَكُونُ له الخيار بين أن يسمح بعيبه أو يفسخ العقد به.
فصل:
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ تُعْتَبَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الْمُثَمَّنِ وَسَنَذْكُرُهَا مِنْ بَعْدُ إِذَا تَقَدَّمَ شَرْحُهَا.
وَالثَّانِي: مَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الثَّمَنِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ مُتَّفَقٌ عَلَى بَعْضِهَا وَمُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِهَا. أَحَدُهَا: تَسْلِيمُ جَمِيعِ الثَّمَنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَلَوْ أَخَلَّ بِهِ بَطَلَ السلم والثاني: إلى آخر الباب، وَلَيْسَ يُعْرَفُ خِلَافُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ غَيْرَ الْأَقْوَاتِ، فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُسَعِّرَهَا مَعَ السِّعَةِ وَالرُّخْصِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْغَلَاءِ وَزِيَادَةِ الْأَسْعَارِ فقد قال مالك: إن لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَعِّرَهَا عَلَيْهِمْ بِسِعْرٍ، وَلَا يَجُوزَ لَهُمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فَإِنْ خَالَفُوهُ أَدَّبَهُمْ إِلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ بَيْعِ أَمْتِعَتِهِمْ فَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ فِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُمْ تَسْعِيرُ الْأَقْوَاتِ عَلَى أَرْبَابِهَا وَهُمْ مُسَلَّطُونَ عَلَى بَيْعِ أَمْوَالِهِمْ مَا أَحَبُّوا.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ التَّسْعِيرَ بِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ أَنَّ