الحاوي الكبير (صفحة 1373)

" صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ " وَأَمَّا تَعَلُّقُ أَصْحَابِ النُّجُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) {النحل: 16) فَالْمُرَادُ بِهِ دَلَائِلُ الْقِبْلَةِ، وَمَسَالِكُ السَّابِلَةِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {يَسْألُونَك عَنِ الأَهِلَّةِ) {البقرة: 189) .

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ بِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ يَحْصُلُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إِمَّا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ، أَوِ اسْتِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَا فَرْقَ، بَيْنَ أَنْ يَرَى الْهِلَالَ ظاهراً، أو خفياً ويلزم الصيام برؤيته عللاى أَيِّ حَالٍ كَانَ، فَلَوْ رَآهُ جَمَاعَةٌ مِنْ بَلَدٍ وَلَمْ يَرَهُ بَاقِيهِمْ لَزِمَ جَمِيعَهُمُ الصِّيَامُ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى وُجُوبِ الصِّيَامِ، عَلَى الْأَعْمَى وَالْمَحْبُوسِ وَإِنْ لَمْ يَرَيَاهُ فَلَوْ رَآهُ أَهْلُ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِينَ لم يروه على ثلاثة أوجه:

أحدهما: أَنَّ عَلَيْهِمْ يَصُومُوا إِذْ لَيْسَ رُؤْيَةُ الْجَمِيعِ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الصِّيَامِ، وَفَرْضُ اللَّهِ تَعَالَى على جميعهم واحداً.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُمْ صِيَامُهُ حَتَّى يَرَوْهُ لِأَنَّ الطَّوَالِعَ، وَالْغَوَارِبَ قَدْ تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَكُلُّ قَوْمٍ فَإِنَّمَا خُوطِبُوا بِمَطْلَعِهِمْ وَمُغْرِبِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ يَتَقَدَّمَ طُلُوعُهُ فِي بَلَدٍ، وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ، قَدْ يَتَعَجَّلُ غُرُوبُهَا فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ، ثُمَّ كَانَ الصَّائِمُ يُرَاعِي طُلُوعَ الْفَجْرِ وَغُرُوبَ الشَّمْسِ فِي بَلَدِهِ فَكَذَلِكَ الْهِلَالُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنْ كَانُوا مِنْ إِقْلِيمٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُمْ أَنْ يَصُومُوا، وَإِنْ كَانُوا مِنْ إِقْلِيمَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ، لم رُوِيَ أَنَّ ثَوْبَانَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الشَّامِ فَأَخْبَرَهُمْ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَبْلَ الْمَدِينَةِ بليلةٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَلْزَمُنَا لَهُمْ شَامُهُمْ وَلَنَا حِجَازُنَا فَأَجْرَى عَلَى الْحِجَازِ حُكْمًا وَاحِدًا، وَإِنِ اختلفت بلاده، وفرق بينه وبين الشام.

مسألة:

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَقَدَّمُ الصِّيَامَ بِيَوْمٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ صَوْمَهُ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ صَامَهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ كَفَّارَةً، أَوْ نَذْرًا إِلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ، أَوْ يُوَافِقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ؟ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015