: ثُمَّ أَوَّلُ مَا نَزَلَ فَرْضُ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، قِيلَ: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ، وَفِي هَذَا الشَّهْرِ فُرِضَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ، فَأَمَّا فَرْضُ الصَّلَاةِ فَنَزَلَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنَ الصِّيَامِ، لِتَقَدُّمِ فَرْضِهَا وَمُقَارَنَتِهِ الْإِيمَانَ، وَقَالَ آخَرُونَ: الصِّيَامُ أَفْضَلُ مِنَ الصلاة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي عَلَيْهِ فاخْتَصَّ بِالصِّيَامِ، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ قَوْمٌ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الصِّيَامِ وَالصِّيَامُ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ مُرَاعَاةً لِمَوْضِعِ نُزُولِ فَرْضِهِمَا.
فَصْلٌ
: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: جَاءَ رَمَضَانُ وَذَهَبَ رَمَضَانُ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " لَا تَقُولُوا جَاءَ رَمَضَانُ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرَ رَمَضَانَ " فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الشَّهْرَ وَلَكِنْ ذَكَرَ مَعَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الشَّهْرَ جَازَ كَقَوْلِهِ: صُمْتُ رَمَضَانَ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ " وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَائِقٌ فَسُمِّيَ فِي الْإِسْلَامِ رَمَضَانَ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّمْضَاءِ، وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ لِأَنَّهُ حِينَ فُرِضَ وَافَقَ شِدَّةَ الْحَرِّ وَقَدْ رَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّمَا سُمِّيَ رَمَضَانُ لِأَنَّهُ يَرْمِضُ الذُّنُوبَ " أَيْ: يَحْرِقُهَا وَيَذْهَبُ بِهَا.
فَصْلٌ
: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قِيلَ: كَانَ ابْتِدَاءُ فَرْضِ الصِّيَامِ أَوْ كَانَ نَاسِخًا لِصَوْمٍ تَقَدَّمَهُ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ ابْتِدَاءَ فَرْضِ الصِّيَامِ، وَكَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِخٌ لِصَوْمٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ لَهُمْ فِيهِ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ نَاسِخًا لِصَوْمِ عَاشُورَاءَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ نَاسِخًا لِلْأَيَّامِ الْبِيضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَلَهُمْ فِي الْأَيَّامِ الْبِيضِ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الثَّانِي عَشَرَ، وَمَا يَلِيهِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا يليه.