التَّفْسِيرِ، حَتَّى نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَلْيَصُمْهُ وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خمسٍ شهادةٍ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ " وَدَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ثَائِرَ الشِّعْرِ أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُسْمَعُ لِصَوْتِهِ دَوِيٌّ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ " أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ " وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلُّوا خَمْسَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاتَكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ " ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الصِّيَامِ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الدِّينِ فَمَنْ جَحَدَهُ فَقَدْ كفر، ومن أقربه وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَقَدْ فَسَقَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ الْقَتْلَ، كَمَا أَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى تَارِكِ الصَّلَاةِ قُلْنَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ مُشَابِهَةٌ لِلْإِيمَانِ لِأَنَّهُمَا قَوْل اللِّسَانِ، وَاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ فَقُتِلَ تَارِكُهَا كَمَا يُقْتَلُ تَارِكُ الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصِّيَامُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ تَارِكِهَا إِلَّا بِفِعْلِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُهَا مُوجِبًا لِقَتْلِهِ، وَالصِّيَامُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ تَارِكِهِ بِأَنْ يُمْنَعَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَمَا يُؤَدِّي إِلَى إِفْطَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ مُوجِبًا لِقَتْلِهِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا فَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مِنْ ذَكَرٍ، وَأُنْثَى وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا صوم عليهم لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا.