قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقْصَاةً وَذَكَرْنَا إِذَا اسْتَوَتْ أَقْوَاتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا غالباً أن الأولى أن يخرج من أفضلهما نَوْعًا، وَأَكْثَرِهَا نَفْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا البِّرَ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) {آل عمران: 92) وَإِنْ أَخْرَجَ مَنْ أَدْونِهَا، وَهُوَ غَالِبُ قُوتِهِ أو جملة أقواته أجزاه.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُقَسِّمُهَا عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مَصْرِفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، مَصْرِفُ زَكَاةِ الْمَالِ فِي الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ في كتاب الله تعالى، وقال مالك على الفقراء خاصة، ويجوز أن يدفعها إلى فقير لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ " وَأَشَارَ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَأَمَرَ بِإِغْنَائِهِمْ وَإِغْنَاؤُهُمْ لَا يَكُونُ بِأَقَلَّ مِنْ صَاعٍ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: إن تولى إخراجه بِنَفْسِهِ جَازَ، أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، فَيَدْفَعُهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ شَاءَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلى الأمام لم يعطها إِلَّا فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يُمْكِنُهُ وَضْعُهَا فِي جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَعَ اتِّسَاعِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَاتِ وَرَبُّ الْمَالِ إِنْ كُلِّفَ ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّ كُلِّفَ تَفْرِيقَ صَاعٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي حَالِهِ، وَرُبَّمَا بَعَثَهُ قِلَّتُهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَخْذِهَا، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين) {التوبة: 60) الْآيَةَ فَجَعَلَ مَا انْطَلَقَ اسم الصدقة عليه مُسْتَحِقًّا لِمَنِ اشْتَمَلَتِ الْآيَةُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهَا صِنْفٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ كَزَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا، وَتَوَلَّى الْمُزَكِّي إِخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي " الْأُمِّ " فَرَّقَهَا فِي سِتَّةِ أَصْنَافٍ، وسقط عنه سهم العاملين والمؤلفة لِفَقْدِ مَا اسْتَحَقَّا بِهِ مِنَ الْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْأَصْنَافَ السِّتَّةَ، فَرَّقَهَا فِيمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى كَافِرٍ وَأَجَازَ أبو حنيفة دَفْعَهَا إِلَى كَافِرٍ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْمَالِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ " فَجَعَلَ مَنْ تُدْفَعُ الصَّدَقَةُ إِلَيْهِ فقيراً، أو من تؤخذ الصدقة مِنْهُ غَنِيًّا، فَلَمَّا لَمْ تُؤْخَذِ الصَّدَقَةُ إِلَّا مِنْ غَنِيٍّ مُسْلِمٍ وَجَبَ أَنْ لَا تُدْفَعَ الصَّدَقَةُ إِلَّا إِلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ إِخْرَاجُهُ لِلطُّهْرَةِ، فَلَمْ يُجِزْهُ دَفْعُهُ إِلَى أهل الذمة كزكاة المال.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وأحب إلى ذوو رحمه إن كان لا تلزمه نفقتهم بحالٍ ".